. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[نيل الأوطار]
وَأَمَّا فِي الْحَيْعَلَتَيْنِ فَيَقُولُ: لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ
وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْ الِاخْتِلَافِ الْمُبَاحِ فَيَقُولُ تَارَةً كَذَا وَتَارَةً كَذَا وَحَكَى بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْأُصُولِ أَنَّ الْخَاصَّ وَالْعَامَّ إذَا أَمْكَنَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا وَجَبَ إعْمَالُهُمَا، قَالَ: فَلِمَ لَا يُقَالُ يُسْتَحَبُّ لِلسَّامِعِ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ الْحَيْعَلَةِ وَالْحَوْقَلَةِ، وَهُوَ وَجْهٌ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ. وَالظَّاهِرُ مِنْ قَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ: فَقُولُوا، التَّعَبُّدُ بِالْقَوْلِ وَعَدَمُ كِفَايَةِ إمْرَارِ الْمُجَاوَبَةِ عَلَى الْقَلْبِ، وَالظَّاهِرُ مِنْ قَوْلِهِ: مِثْلَ مَا يَقُولُ، عَدَمُ اشْتِرَاطِ الْمُسَاوَاةِ مِنْ جَمِيعِ الْوُجُوهِ. قَالَ الْيَعْمُرِيُّ: لِاتِّفَاقِهِمْ عَلَى أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ الْمُجِيبَ أَنْ يَرْفَعَ صَوْتَهُ وَلَا غَيْرُ ذَلِكَ. قَالَ الْحَافِظُ: وَفِيهِ بَحْثٌ؛ لِأَنَّ الْمُمَاثَلَةَ وَقَعَتْ فِي الْقَوْلِ لَا فِي صِفَتِهِ وَلِاحْتِيَاجِ الْمُؤَذِّنِ إلَى الْإِعْلَامِ شُرِعَ لَهُ رَفْعُ الصَّوْتِ بِخِلَافِ السَّامِعِ فَلَيْسَ مَقْصُودُهُ إلَّا الذِّكْرَ، وَالسِّرُّ وَالْجَهْرُ مُسْتَوِيَانِ فِي ذَلِكَ. وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ إجَابَةُ الْمُؤَذِّنِ فِي جَمِيعِ الْحَالَاتِ مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ بَيْنَ الْمُصَلِّي وَغَيْرِهِ
وَقِيلَ: يُؤَخِّرُ الْمُصَلِّي الْإِجَابَةَ حَتَّى يَفْرُغَ. وَقِيلَ: يُجِيبُ إلَّا فِي الْحَيْعَلَتَيْنِ. قَالَ الْحَافِظُ: وَالْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ كَرَاهَةُ الْإِجَابَةِ فِي الصَّلَاةِ بَلْ يُؤَخِّرُهَا حَتَّى يَفْرُغَ، وَكَذَا حَالُ الْجِمَاعِ وَالْخَلَاءِ. قِيلَ: وَالْقَوْلُ بِكَرَاهَةِ الْإِجَابَةِ فِي الصَّلَاةِ يَحْتَاجُ إلَى دَلِيلٍ وَلَا دَلِيلَ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ حَدِيثَ «إنَّ فِي الصَّلَاةِ لَشُغْلًا» دَلِيلٌ عَلَى الْكَرَاهَةِ، وَيُؤَيِّدُهُ امْتِنَاعُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ إجَابَةِ السَّلَامِ فِيهَا وَهُوَ أَهَمُّ مِنْ الْإِجَابَةِ لِلْمُؤَذِّنِ. وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ أَنَّهُ يَقُولُ مِثْلَ مَا يَقُولُ الْمُؤَذِّنُ مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ بَيْنَ التَّرْجِيعِ وَغَيْرِهِ.
وَفِيهِ مُتَمَسَّكٌ لِمَنْ قَالَ بِوُجُوبِ الْإِجَابَةِ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ يَقْتَضِيهِ بِحَقِيقَتِهِ، وَقَدْ حَكَى ذَلِكَ الطَّحَاوِيُّ عَنْ قَوْمٍ مِنْ السَّلَفِ، وَبِهِ قَالَتْ الْحَنَفِيَّةُ وَأَهْلُ الظَّاهِرِ وَابْنُ وَهْبٍ
وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إلَى عَدَمِ الْوُجُوبِ. قَالَ الْحَافِظُ: وَاسْتَدَلُّوا بِحَدِيثٍ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَمِعَ مُؤَذِّنًا، فَلَمَّا كَبَّرَ قَالَ: عَلَى الْفِطْرَةِ، فَلَمَّا تَشَهَّدَ قَالَ: خَرَجَ مِنْ النَّارِ» قَالُوا: فَلَمَّا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غَيْرَ مَا قَالَ الْمُؤَذِّنُ عَلِمْنَا أَنَّ الْأَمْرَ بِذَلِكَ لِلِاسْتِحْبَابِ، وَرُدَّ بِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الرِّوَايَةِ أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ مِثْلَ مَا قَالَ، وَبِاحْتِمَالِ أَنَّهُ وَقَعَ ذَلِكَ قَبْلَ الْأَمْرِ بِالْإِجَابَةِ، وَاحْتِمَالِ أَنَّ الرَّجُلَ الَّذِي سَمِعَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُؤَذِّنُ لَمْ يَقْصِدْ الْأَذَانَ، وَأُجِيبَ عَنْ هَذَا الْأَخِيرِ بِأَنَّهُ وَقَعَ فِي بَعْضِ طُرُقِ هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّهُ حَضَرَتْهُ الصَّلَاةُ، وَقَدْ عَرَفْت غَيْرَ مَرَّةٍ أَنَّ فِعْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يُعَارِضُ الْقَوْلَ الْخَاصَّ بِنَا وَهَذَا مِنْهُ. وَالظَّاهِرُ مِنْ الْحَدِيثِ التَّعَبُّدُ بِالْقَوْلِ مِثْلَ مَا يَقُولُ الْمُؤَذِّنُ، وَسَوَاءٌ كَانَ الْمُؤَذِّنُ وَاحِدًا أَوْ جَمَاعَةً
قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: وَفِيهِ خِلَافٌ بَيْنَ السَّلَفِ فَمَنْ رَأَى الِاقْتِصَارَ عَلَى الْإِجَابَةِ لِلْأَوَّلِ احْتَجَّ بِأَنَّ الْأَمْرَ لَا يَقْتَضِي التَّكْرَارَ وَيَلْزَمُهُ عَلَى ذَلِكَ أَنْ يَكْتَفِيَ بِإِجَابَةِ الْمُؤَذِّنِ مَرَّةً وَاحِدَةً فِي الْعُمْرِ
٥٠٣ - (وَعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا قَالَ الْمُؤَذِّنُ: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ قَالَ: أَحَدُكُمْ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ ثُمَّ قَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ قَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، ثُمَّ قَالَ: أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ قَالَ: أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، ثُمَّ قَالَ: حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ قَالَ: لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ، ثُمَّ قَالَ: حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ قَالَ: لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ قَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، ثُمَّ قَالَ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ قَالَ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ مِنْ قَلْبِهِ دَخَلَ الْجَنَّةَ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد) .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute