للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَابٌ فِيمَنْ عَلَيْهِ فَوَائِتُ أَنْ يُؤَذِّنَ وَيُقِيمَ لِلْأُولَى وَيُقِيمَ لِكُلِّ صَلَاةٍ بَعْدَهَا

٥١٢ - (عَنْ «أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: عَرَّسْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمْ نَسْتَيْقِظْ حَتَّى طَلَعَتْ الشَّمْسُ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لِيَأْخُذْ كُلُّ رَجُلٍ بِرَاسِ رَاحِلَتِهِ، فَإِنَّ هَذَا مَنْزِلٌ حَضَرَنَا فِيهِ الشَّيْطَانُ قَالَ: فَفَعَلْنَا ثُمَّ دَعَا بِالْمَاءِ فَتَوَضَّأَ، ثُمَّ صَلَّى سَجْدَتَيْنِ ثُمَّ أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَصَلَّى الْغَدَاةَ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ سَجْدَتَيْ الْفَجْرِ، وَقَالَ فِيهِ: «فَأَمَرَ بِلَالًا فَأَذَّنَ وَأَقَامَ وَصَلَّى» )

ــ

[نيل الأوطار]

وَالنَّاصِرُ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَغَيْرُهُمْ. وَقَالَ مَالِكٌ: لَا بَأْسَ بِأَخْذِ الْأَجْرِ عَلَى ذَلِكَ. وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: يُجَاعَلُ عَلَيْهِ وَلَا يُؤَاجَرُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ: أُحِبُّ أَنْ يَكُونَ الْمُؤَذِّنُونَ مُتَطَوِّعِينَ قَالَ: وَلَيْسَ لِلْإِمَامِ أَنْ يَرْزُقَهُمْ وَهُوَ يَجِدُ مَنْ يُؤَذِّنُ مُتَطَوِّعًا مِمَّنْ لَهُ أَمَانَةٌ إلَّا أَنْ يَرْزُقَهُمْ مِنْ مَالِهِ، قَالَ: وَلَا أَحْسَبُ أَحَدًا بِبَلَدٍ كَثِيرِ الْأَهْلِ يَعُوزُهُ أَنْ يَجِدَ مُؤَذِّنًا أَمِينًا يُؤَذِّنُ مُتَطَوِّعًا، فَإِنْ لَمْ يَجِدْهُ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَرْزُقَ مُؤَذِّنًا، وَلَا يَرْزُقُهُ إلَّا مِنْ خُمْسِ الْخُمْسِ الْفَضْلَ

وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: الصَّحِيحُ جَوَازُ أَخْذِ الْأُجْرَةِ عَلَى الْأَذَانِ وَالصَّلَاةِ وَالْقَضَاءِ وَجَمِيعِ الْأَعْمَالِ الدِّينِيَّةِ، فَإِنَّ الْخَلِيفَةَ يَأْخُذُ أُجْرَتَهُ عَلَى هَذَا كُلِّهِ، وَفِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا يَأْخُذُ النَّائِبُ أَجْرَهُ كَمَا يَأْخُذُ الْمُسْتَنِيبُ. وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَا تَرَكْت بَعْدَ نَفَقَةِ نِسَائِي وَمُؤْنَةِ عَامِلِي فَهُوَ صَدَقَةٌ» اهـ. فَقَاسَ الْمُؤَذِّنَ عَلَى الْعَامِلِ، وَهُوَ قِيَاسٌ فِي مُصَادَمَةِ النَّصِّ، وَفُتْيَا ابْنِ عُمَرَ الَّتِي مَرَّتْ لَمْ يُخَالِفْهَا أَحَدٌ مِنْ الصَّحَابَةِ كَمَا صَرَّحَ بِذَلِكَ الْيَعْمُرِيُّ. وَقَدْ عَقَدَ ابْنُ حِبَّانَ تَرْجَمَةً عَلَى الرُّخْصَةِ فِي ذَلِكَ، وَأَخْرَجَ عَنْ أَبِي مَحْذُورَةَ أَنَّهُ قَالَ: «فَأَلْقَى عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْأَذَانَ فَأَذَّنْت ثُمَّ أَعْطَانِي حِينَ قَضَيْت التَّأْذِينَ صُرَّةً فِيهَا شَيْءٌ مِنْ فِضَّةٍ» وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا النَّسَائِيّ

قَالَ الْيَعْمُرِيُّ: وَلَا دَلِيلَ فِيهِ لِوَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ: أَنَّ قِصَّةَ أَبِي مَحْذُورَةَ أَوَّلَ مَا أَسْلَمَ؛ لِأَنَّهُ أَعْطَاهُ حِينَ عَلَّمَهُ الْأَذَانَ وَذَلِكَ قَبْلَ إسْلَامِ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ فَحَدِيثُ عُثْمَانَ مُتَأَخِّرٌ.

الثَّانِي: أَنَّهَا وَاقِعَةٌ يَتَطَرَّقُ إلَيْهَا الِاحْتِمَالُ، وَأَقْرَبُ الِاحْتِمَالَاتِ فِيهَا أَنْ يَكُونَ مِنْ بَابِ التَّأْلِيفِ لِحَدَاثَةِ عَهْدِهِ بِالْإِسْلَامِ كَمَا أَعْطَى حِينَئِذٍ غَيْرَهُ مِنْ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ، وَوَقَائِعُ الْأَحْوَالِ إذَا تَطَرَّقَ إلَيْهَا الِاحْتِمَالُ سَلَبَهَا الِاسْتِدْلَال لِمَا يَبْقَى فِيهَا مِنْ الْإِجْمَالِ انْتَهَى. وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ لَا يَرُدُّ عَلَى مَنْ قَالَ: إنَّ الْأُجْرَةَ إنَّمَا تَحْرُمُ إذَا كَانَتْ مَشْرُوطَةً إلَّا إذَا أُعْطِيهَا بِغَيْرِ مَسْأَلَةٍ وَالْجَمْعُ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ بِمِثْلِ هَذَا حَسَنٌ.

<<  <  ج: ص:  >  >>