. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[نيل الأوطار]
فِي الْعَوْرَةِ لِعُمُومِ ذِكْرِ الْحَائِضِ، وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ الْحُرَّةِ وَالْأَمَةِ هُوَ قَوْلُ أَهْلِ الظَّاهِرِ. وَفَرَّقَتْ الْعِتْرَةُ وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالْجُمْهُورُ بَيْنَ عَوْرَةِ الْحُرَّةِ وَالْأَمَةِ فَجَعَلُوا عَوْرَةَ الْأَمَةِ مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ كَالرَّجُلِ
وَالْحُجَّةُ لَهُمْ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالدَّارَقُطْنِيّ وَغَيْرُهُمَا، وَقَدْ ذَكَرْنَا لَفْظَ الْحَدِيثِ فِي شَرْحِ حَدِيثِ أَبِي مُوسَى الْمُتَقَدِّمِ فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا، وَبِمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد أَيْضًا بِلَفْظِ: «إذَا زَوَّجَ أَحَدُكُمْ عَبْدَهُ أَمَتَهُ فَلَا يَنْظُرْ إلَى عَوْرَتِهَا» قَالُوا: وَالْمُرَادُ بِالْعَوْرَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مَا صَرَّحَ بِبَيَانِهِ فِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ. وَقَالَ مَالِكٌ: الْأَمَةُ عَوْرَتُهَا كَالْحُرَّةِ حَاشَا شَعْرِهَا فَلَيْسَ بِعَوْرَةٍ، وَكَأَنَّهُ رَأَى الْعَمَلَ فِي الْحِجَازِ عَلَى كَشْفِ الْإِمَاءِ لِرُءُوسِهِنَّ، هَكَذَا حَكَاهُ عَنْهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي الِاسْتِذْكَارِ. قَالَ الْعِرَاقِيُّ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ: وَالْمَشْهُورُ عَنْهُ أَنَّ عَوْرَةَ الْأَمَةِ كَالرَّجُلِ
وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي مِقْدَارِ عَوْرَةِ الْحُرَّةِ فَقِيلَ جَمِيعُ بَدَنِهَا مَا عَدَا الْوَجْهَ وَالْكَفَّيْنِ وَإِلَى ذَلِكَ ذَهَبَ الْهَادِي وَالْقَاسِمُ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ وَالشَّافِعِيُّ فِي أَحَدِ أَقْوَالِهِ وَأَبُو حَنِيفَةَ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ وَمَالِكٌ. وَقِيلَ: وَالْقَدَمَيْنِ وَمَوْضِعِ الْخَلْخَالِ وَإِلَى ذَلِكَ ذَهَبَ الْقَاسِمُ فِي قَوْلٍ وَأَبُو حَنِيفَةَ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ وَالثَّوْرِيُّ وَأَبُو الْعَبَّاسِ وَقِيلَ: بَلْ جَمِيعُهَا إلَّا الْوَجْهَ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَدَاوُد. وَقِيلَ: جَمِيعُهَا بِدُونِ اسْتِثْنَاءٍ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ بَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ. وَسَبَبُ اخْتِلَافِ هَذِهِ الْأَقْوَالِ مَا وَقَعَ مِنْ الْمُفَسِّرِينَ مِنْ الِاخْتِلَافِ فِي تَفْسِيرِ قَوْله تَعَالَى: {إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} [النور: ٣١] وَقَدْ اُسْتُدِلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى أَنَّ سَتْرَ الْعَوْرَةِ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ الصَّلَاةِ لِأَنَّ قَوْلَهُ " لَا يَقْبَلُ " صَالِحٌ لِلِاسْتِدْلَالِ بِهِ عَلَى الشَّرْطِيَّةِ كَمَا قِيلَ
وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ: ذَهَبَ الْجُمْهُورُ إلَى أَنَّ سَتْرَ الْعَوْرَةِ مِنْ شُرُوطِ الصَّلَاةِ قَالَ: وَعَنْ بَعْضِ الْمَالِكِيَّةِ التَّفْرِقَةُ بَيْنَ الذَّاكِرِ وَالنَّاسِي، وَمِنْهُمْ مَنْ أَطْلَقَ كَوْنَهُ سُنَّةً لَا يُبْطِلُ تَرْكُهَا الصَّلَاةَ اهـ.
احْتَجَّ الْجُمْهُورُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [الأعراف: ٣١] وَبِمَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ تَعْلِيقًا وَوَصَلَهُ فِي تَارِيخِهِ، وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ خُزَيْمَةَ وَابْنُ حِبَّانَ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ قَالَ: «قُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي رَجُلٌ أَتَصَيَّدُ أَفَأُصَلِّي فِي الْقَمِيصِ الْوَاحِدِ؟ قَالَ: نَعَمْ زُرْهُ، وَلَوْ بِشَوْكَةٍ» وَسَيَأْتِي الْكَلَامَ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ فِي بَابِ مَنْ صَلَّى فِي قَمِيصٍ غَيْرِ مُزَرَّرٍ. وَبِحَدِيثِ بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ الْمُتَقَدِّمِ فِي أَوَّلِ هَذِهِ الْأَبْوَابِ. وَيُجَابُ عَنْ هَذِهِ الْأَدِلَّةِ بِأَنَّ غَايَتَهَا إفَادَةُ الْوُجُوبِ
وَأَمَّا الشَّرْطِيَّةُ الَّتِي يُؤْثَرُ عَدَمُهَا فِي عَدَمِ الْمَشْرُوطِ فَلَا تَصْلُحُ لِلِاسْتِدْلَالِ بِهَا عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ حُكْمٌ وَضْعِيٌّ شَرْعِيٌّ لَا يَثْبُتُ بِمُجَرَّدِ الْأَوَامِرِ نَعَمْ يُمْكِنُ الِاسْتِدْلَال لِلشَّرْطِيَّةِ بِحَدِيثِ الْبَابِ وَالْحَدِيثِ الْآتِي بَعْدَهُ وَبِحَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ بِلَفْظِ: «لَا يَقْبَلُ اللَّهُ مِنْ امْرَأَةٍ صَلَاةً حَتَّى تُوَارِيَ زِينَتَهَا، وَلَا جَارِيَةٍ بَلَغَتْ الْمَحِيضَ حَتَّى تَخْتَمِرَ» لَكِنْ لَا يَصْفُو الِاسْتِدْلَال بِذَلِكَ عَنْ شَوْبِ كَدَرٍ؛ لِأَنَّهُ أَوَّلًا يُقَالُ: نَحْنُ نَمْنَعُ أَنَّ نَفْيَ الْقَبُولِ يَدُلُّ عَلَى الشَّرْطِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ نَفَى الْقَبُولَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute