. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[نيل الأوطار]
فِي الصَّحِيحَيْنِ بِإِثْبَاتِ الْيَاءِ وَوَجْهُهُ أَنْ لَا نَافِيَةٌ وَهُوَ خَبَرٌ بِمَعْنَى النَّهْيِ. قَالَ الْحَافِظُ وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي غَرَائِبِ مَالِكٍ بِلَفْظِ: " لَا يُصَلِّ ". وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْوَهَّابِ بْنِ عَطَاءٍ عَنْ مَالِكٍ بِلَفْظِ: " لَا يُصَلِّيَنَّ " بِزِيَادَةِ نُونِ التَّوْكِيدِ. وَرَوَاهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ طَرِيقِ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ بِلَفْظِ: " نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "
قَوْلُهُ: (لَيْسَ عَلَى عَاتِقِهِ مِنْهُ شَيْءٌ) الْعَاتِقُ مَا بَيْنَ الْمَنْكِبَيْنِ إلَى أَصْلِ الْعُنُقِ، وَالْمُرَادُ أَنَّهُ لَا يَتَّزِرُ فِي وَسَطِهِ وَيَشُدُّ طَرَفَيْ الثَّوْبِ فِي حَقْوَيْهِ بَلْ يَتَوَشَّجُ بِهِمَا عَلَى عَاتِقَيْهِ فَيَحْصُلُ السَّتْرُ مِنْ أَعَالِي الْبَدَنِ، وَإِنْ كَانَ لَيْسَ بِعَوْرَةٍ، أَوْ لِكَوْنِ ذَلِكَ أَمْكَنَ فِي سَتْرِ الْعَوْرَةِ. قَالَ النَّوَوِيُّ: قَالَ الْعُلَمَاءُ: حِكْمَتُهُ أَنَّهُ إذَا اتَّزَرَ بِهِ، وَلَمْ يَكُنْ عَلَى عَاتِقِهِ مِنْهُ شَيْءٌ لَمْ يُؤْمَنْ أَنْ تَنْكَشِفَ عَوْرَتُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا جَعَلَ بَعْضَهُ عَلَى عَاتِقِهِ؛ وَلِأَنَّهُ قَدْ يَحْتَاجُ إلَى إمْسَاكِهِ بِيَدِهِ فَيَشْتَغِلُ بِذَلِكَ، وَتَفُوتُهُ سُنَّةُ وَضْعِ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى تَحْتَ صَدْرِهِ وَرَفْعِهِمَا. وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ الصَّلَاةِ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ. قَالَ النَّوَوِيُّ: وَلَا خِلَافَ فِي هَذَا إلَّا مَا حُكِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَلَا أَعْلَمُ صِحَّتَهُ، وَأَجْمَعُوا أَنَّ الصَّلَاةَ فِي ثَوْبَيْنِ أَفْضَلُ
وَيَدُلُّ أَيْضًا عَلَى الْمَنْعِ مِنْ الصَّلَاةِ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى عَاتِقِ الْمُصَلِّي مِنْهُ شَيْءٌ، وَقَدْ حَمَلَ الْجُمْهُورُ هَذَا النَّهْيَ عَلَى التَّنْزِيهِ، وَعَنْ أَحْمَدَ لَا تَصِحُّ صَلَاةُ مَنْ قَدَرَ عَلَى ذَلِكَ فَتَرَكَهُ. وَعَنْهُ أَيْضًا تَصِحُّ وَيَأْثَمُ، وَغَفَلَ الْكَرْمَانِيُّ عَنْ مَذْهَبِ أَحْمَدَ فَادَّعَى الْإِجْمَاعَ عَلَى جَوَازِ تَرْكِ جَعْلِ طَرَفِ الثَّوْبِ عَلَى الْعَاتِقِ وَجَعَلَهُ صَارِفًا لِلنَّهْيِ عَنْ التَّحْرِيمِ إلَى الْكَرَاهَةِ، وَقَدْ نَقَلَ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ عَدَمَ الْجَوَازِ، وَكَلَامُ التِّرْمِذِيِّ يَدُلُّ عَلَى ثُبُوتِ الْخِلَافِ أَيْضًا، وَعَقَدَ الطَّحَاوِيُّ لَهُ بَابًا فِي شَرْحِ الْمُغْنِي وَنُقِلَ الْمَنْعُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ ثُمَّ عَنْ طَاوُسٍ وَالنَّخَعِيِّ، وَنَقَلَهُ غَيْرُهُ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ وَابْنِ جَرِيرٍ، وَجَمَعَ الطَّحَاوِيُّ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ بِأَنَّ الْأَصْلَ أَنْ يُصَلِّيَ مُشْتَمِلًا فَإِنْ ضَاقَ اتَّزَرَ
وَنَقَلَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ السُّبْكِيُّ وُجُوبَ ذَلِكَ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَاخْتَارَهُ. قَالَ الْحَافِظُ: لَكِنْ الْمَعْرُوفُ فِي كُتُبِ الشَّافِعِيَّةِ خِلَافُهُ. وَاسْتَدَلَّ الْخَطَّابِيِّ عَلَى عَدَمِ الْوُجُوبِ «بِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى فِي ثَوْبٍ كَانَ أَحَدُ طَرَفَيْهِ عَلَى بَعْضِ نِسَائِهِ، وَهِيَ نَائِمَةٌ» قَالَ: وَمَعْلُومٌ أَنَّ الطَّرَفَ الَّذِي هُوَ لَابِسُهُ مِنْ الثَّوْبِ غَيْرُ مُتَّسِعٍ؛ لَأَنْ يَتَّزِرَ بِهِ، وَيَفْضُلَ مِنْهُ مَا كَانَ لِعَاتِقِهِ، وَفِيمَا قَالَهُ نَظَرٌ لَا يَخْفَى قَالَهُ الْحَافِظُ. إذَا تَقَرَّرَ لَك عَدَمُ صِحَّةِ الْإِجْمَاعِ الَّذِي جَعَلَهُ الْكَرْمَانِيُّ صَارَ لِلنَّهْيِ فَالْوَاجِبُ الْجَزْمُ بِمَعْنَاهُ الْحَقِيقِيُّ وَهُوَ تَحْرِيمُ تَرْكِ جَعْلِ طَرَفِ الثَّوْبِ الْوَاحِدِ حَالَ الصَّلَاةِ عَلَى الْعَاتِقِ وَالْجَزْمِ بِوُجُوبِهِ مَعَ الْمُخَالَفَةِ بَيْنَ طَرَفَيْهِ بِالْحَدِيثِ الْآتِي حَتَّى يَنْتَهِضَ دَلِيلٌ يَصْلُحُ لِلصَّرْفِ، وَلَكِنْ هَذَا فِي الثَّوْبِ إذَا كَانَ وَاسِعًا جَمْعًا بَيْنَ الْأَحَادِيثِ، كَمَا سَيَأْتِي التَّصْرِيحُ بِذَلِكَ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ
وَقَدْ عَمِلَ بِظَاهِرِ الْحَدِيثِ ابْنُ حَزْمٍ فَقَالَ: وَفُرِضَ عَلَى الرَّجُلِ إنْ صَلَّى فِي ثَوْبٍ وَاسِعٍ أَنْ يَطْرَحَ مِنْهُ عَلَى عَاتِقِهِ أَوْ عَاتِقَيْهِ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، إنْ كَانَ ضَيِّقًا اتَّزَرَ بِهِ، وَأَجْزَأَهُ سَوَاءٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute