للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[نيل الأوطار]

فَيَقِلُّ الْعَمَلُ انْتَهَى. لِأَنَّ قَوْلَهُ: " حَتَّى إذَا فَرَغَ مِنْ سُجُودِهِ وَقَامَ أَخَذَهَا فَرَدَّهَا فِي مَكَانِهَا " صَرِيحٌ فِي أَنَّ الرَّفْعَ صَادِرٌ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَقَدْ رَجَعَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ إلَى هَذَا فَقَالَ: وَقَدْ كُنْتُ أَحْسَبُ هَذَا: يَعْنِي الْفَرْقَ بَيْنَ حَمَلَ وَوَضَعَ، وَأَنَّ الصَّادِرَ مِنْهُ الْوَضْعُ لَا الرَّفْعُ حَسَنًا إلَى أَنْ رَأَيْت فِي بَعْضِ طُرُقِهِ الصَّحِيحَةِ " فَإِذَا قَامَ أَعَادَهَا " انْتَهَى. وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ. وَلِأَحْمَدَ " فَإِذَا قَامَ حَمَلَهَا فَوَضَعَهَا عَلَى رَقَبَتِهِ ".

وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مِثْلَ هَذَا الْفِعْلِ مَعْفُوٌّ عَنْهُ مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ بَيْنَ الْفَرِيضَةِ وَالنَّافِلَةِ وَالْمُنْفَرِدِ وَالْمُؤْتَمِّ وَالْإِمَامِ، لِمَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ زِيَادَةٍ " وَهُوَ يَؤُمُّ النَّاسَ فِي الْمَسْجِدِ " وَإِذَا جَازَ ذَلِكَ فِي حَالِ الْإِمَامَةِ فِي صَلَاةِ الْفَرِيضَةِ جَازَ فِي غَيْرِهَا بِالْأَوْلَى. قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: وَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي تَأْوِيلِ هَذَا الْحَدِيثِ، وَاَلَّذِي أَحْوَجَهُمْ إلَى ذَلِكَ أَنَّهُ عَمَلٌ كَثِيرٌ، فَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ كَانَ فِي النَّافِلَةِ، وَاسْتَبْعَدَهُ الْمَازِرِيُّ وَعِيَاضٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ. قَالَ الْمَازِرِيُّ: إمَامَتُهُ بِالنَّاسِ فِي النَّافِلَةِ لَيْسَتْ بِمَعْهُودَةٍ، وَأَصْرَحُ مِنْ هَذَا مَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد بِلَفْظِ «بَيْنَمَا نَحْنُ نَنْتَظِرُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الظُّهْرِ أَوْ الْعَصْرِ وَقَدْ دَعَاهُ بِلَالٌ إلَى الصَّلَاةِ إذْ خَرَجَ عَلَيْنَا وَأُمَامَةُ عَلَى عَاتِقِهِ فَقَامَ فِي مُصَلَّاهُ فَقُمْنَا خَلْفَهُ، فَكَبَّرَ فَكَبَّرْنَا وَهِيَ فِي مَكَانِهَا» وَرَوَى أَشْهَبُ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ ذَلِكَ لِلضَّرُورَةِ حَيْثُ لَمْ يَجِدْ مِنْ يَكْفِيهِ أَمْرَهَا، وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِهِ: لِأَنَّهُ لَوْ تَرَكَهَا لَبَكَتْ وَشَغَلَتْهُ أَكْثَرَ مِنْ شَغَلَتْهُ بِحَمْلِهَا.

وَفَرَّقَ بَعْضُ أَصْحَابِهِ بَيْنَ الْفَرِيضَةِ وَالنَّافِلَةِ. وَقَالَ الْبَاجِيَّ: إنَّ مَنْ وَجَدَ مَنْ يَكْفِيهِ أَمْرَهَا جَازَ فِي النَّافِلَةِ دُونَ الْفَرِيضَةِ، وَإِنْ لَمْ يَجِدْ جَازَ فِيهِمَا. قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ التِّنِّيسِيِّ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ الْحَدِيثَ مَنْسُوخٌ. قَالَ الْحَافِظُ: رَوَى ذَلِكَ عَنْهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ، لَكِنَّهُ غَيْرُ صَرِيحٍ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لَعَلَّ الْحَدِيثَ مَنْسُوخٌ بِتَحْرِيمِ الْعَمَلِ وَالِاشْتِغَالِ فِي الصَّلَاةِ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ النَّسْخَ لَا يَثْبُتُ بِالِاحْتِمَالِ، وَبِأَنَّ الْقَضِيَّةَ كَانَتْ بَعْدَ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ فِي الصَّلَاةِ لَشُغْلًا» لِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ، وَهَذِهِ الْقِصَّةُ كَانَتْ بَعْدَ الْهِجْرَةِ بِمُدَّةٍ مَدِيدَةٍ قَطْعًا، قَالَهُ الْحَافِظُ. وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: إنَّ ذَلِكَ كَانَ مِنْ خَصَائِصِهِ. وَرُدَّ بِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الِاخْتِصَاصِ.

قَالَ النَّوَوِيُّ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ هَذِهِ التَّأْوِيلَاتِ: وَكُلُّ ذَلِكَ دَعَاوَى بَاطِلَةٌ مَرْدُودَةٌ لَا دَلِيلَ عَلَيْهَا، لِأَنَّ الْآدَمِيَّ طَاهِرٌ وَمَا فِي جَوْفِهِ مَعْفُوٌّ عَنْهُ، وَثِيَابُ الْأَطْفَالِ وَأَجْسَادُهُمْ مَحْمُولَةٌ عَلَى الطَّهَارَةِ حَتَّى تَتَبَيَّنُ النَّجَاسَةُ، وَالْأَعْمَالُ فِي الصَّلَاةِ لَا تُبْطِلُهَا إذَا قَلَّتْ أَوْ تَفَرَّقَتْ، وَدَلَائِلُ الشَّرْعِ مُتَظَاهِرَةٌ عَلَى ذَلِكَ، وَإِنَّمَا فَعَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَلِكَ لِبَيَانِ الْجَوَازِ انْتَهَى. قَالَ الْحَافِظُ: وَحَمَلَ أَكْثَرُ أَهْلُ الْعِلْمِ هَذَا الْحَدِيثَ عَلَى أَنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ مُتَوَالٍ لِوُجُودِ الطُّمَأْنِينَةِ فِي أَرْكَانِ الصَّلَاةِ. وَمِنْ فَوَائِدِ الْحَدِيثِ جَوَازُ إدْخَالِ الصِّبْيَانِ الْمَسَاجِدَ، وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ، وَأَنَّ مَسَّ الصَّغِيرَةِ لَا يَنْتَقِضُ بِهِ الْوُضُوءُ، وَأَنَّ الظَّاهِرَ طَهَارَةُ ثِيَابِ مَنْ لَا يَحْتَرِزُ مِنْ النَّجَاسَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>