للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[نيل الأوطار]

وَإِنَّمَا أَسْنَدَ فِي نَفْيِهِ تَارَةً إلَى أُسَامَةَ وَتَارَةً إلَى أَخِيهِ الْفَضْلِ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ أَنَّ الْفَضْلَ كَانَ مَعَهُمْ إلَّا فِي رِوَايَةٍ شَاذَّةٍ.

وَقَدْ رَوَى أَحْمَدُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ أَخِيهِ الْفَضْلِ نَفْيَ الصَّلَاةِ فِيهَا، يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ تَلَقَّاهُ عَنْ أُسَامَةَ فَإِنَّهُ كَانَ مَعَهُ. وَقَدْ رَوَى عَنْهُ نَفْيَ الصَّلَاةِ فِي الْكَعْبَةِ أَيْضًا مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَوَقَعَ إثْبَاتُ صَلَاتِهِ فِيهَا عَنْ أُسَامَةَ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ عَنْهُ فَتَعَارَضَتْ الرِّوَايَاتُ فِي ذَلِكَ فَتَتَرَجَّحُ رِوَايَةُ بِلَالٍ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ مُثْبِتٌ وَغَيْرُهُ نَافٍ، وَمِنْ جِهَةٍ أَنَّهُ لَمْ يَخْتَلِفْ عَنْهُ فِي الْإِثْبَاتِ، وَاخْتُلِفَ عَلَى مَنْ نَفَى. وَقَالَ النَّوَوِيُّ وَغَيْرُهُ: يُجْمَعُ بَيْنَ إثْبَاتِ بِلَالٍ وَنَفْيِ أُسَامَةُ بِأَنَّهُمْ لَمَّا دَخَلُوا الْكَعْبَةَ اشْتَغَلُوا بِالدُّعَاءِ فَرَأَى أُسَامَةُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَدْعُو فَاشْتَغَلَ بِالدُّعَاءِ فِي نَاحِيَةٍ وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي نَاحِيَةٍ ثُمَّ صَلَّى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرَآهُ بِلَالٌ لِقُرْبِهِ مِنْهُ وَلَمْ يَرَهُ أُسَامَةُ لِبُعْدِهِ وَاشْتِغَالِهِ، وَلِأَنَّ بِإِغْلَاقِ الْبَابِ تَكُونُ الظُّلْمَةُ مَعَ احْتِمَالِ أَنَّهُ يَحْجُبُ عَنْهُ بَعْضَ الْأَعْمِدَةِ فَنَفَاهَا عَمَلًا بِظَنِّهِ.

وَقَالَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ: يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أُسَامَةُ غَابَ عَنْهُ بَعْدَ دُخُولِهِ لِحَاجَةٍ فَلَمْ يَشْهَدْ صَلَاتَهُ، وَيَشْهَدُ لَهُ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيُّ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ أُسَامَةَ: قَالَ: «دَخَلْت عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْكَعْبَةَ فَرَأَى صُوَرًا فَدَعَا بِدَلْوٍ مِنْ مَاءٍ فَأَتَيْته بِهِ فَضَرَبَ بِهِ الصُّوَرَ» قَالَ: الْحَافِظُ: هَذَا إسْنَادُهُ جَيِّدٌ. قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: فَلَعَلَّهُ اسْتَصْحَبَ النَّفْيَ لِسُرْعَةِ عَوْدِهِ انْتَهَى. وَقَدْ رَوَى عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ فِي كِتَابِ مَكَّةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ بَذِيمَةَ قَالَ: «دَخَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْكَعْبَةَ وَدَخَلَ مَعَهُ بِلَالٌ وَجَلَسَ أُسَامَةُ عَلَى الْبَاب فَلَمَّا خَرَجَ وَجَدَ أُسَامَةَ قَدْ احْتَبَى فَأَخَذَ حَبْوَتَهُ فَحَلَّهَا» الْحَدِيثَ، فَلَعَلَّهُ احْتَبَى فَاسْتَرَاحَ فَنَعَسَ فَلَمْ يُشَاهِدْ صَلَاتَهُ، فَلَمَّا سُئِلَ عَنْهَا نَفَاهَا مُسْتَصْحِبَا لِلنَّفْيِ لِقِصَرِ زَمَنِ احْتِبَائِهِ وَفِي كُلِّ ذَلِكَ نَفْيُ رُؤْيَتِهِ لَا مَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ. وَمِنْهُمْ مَنْ جَمَعَ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ بَعْدَ التَّرْجِيحِ وَذَلِكَ مِنْ وُجُوهٍ:

الْأَوَّلُ أَنَّ الصَّلَاةَ الْمُثْبَتَةَ هِيَ اللُّغَوِيَّةُ، وَالْمَنْفِيَّةَ الشَّرْعِيَّةُ. وَالثَّانِي يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ دُخُولُ الْبَيْتِ وَقَعَ مَرَّتَيْنِ، قَالَهُ الْمُهَلَّبُ شَارِحُ الْبُخَارِيِّ. وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: الْأَشْبَهُ عِنْدِي فِي الْجَمْعِ أَنْ يَجْعَلَ الْخَبَرَيْنِ فِي وَقْتَيْنِ، فَيُقَالُ: لَمَّا دَخَلَ الْكَعْبَةَ فِي الْفَتْحِ صَلَّى فِيهَا عَلَى مَا رَوَاهُ ابْنُ عُمَرَ عَنْ بِلَالٍ، وَيُجْعَلُ نَفْيُ ابْنِ عَبَّاسٍ الصَّلَاةَ فِي الْكَعْبَةِ فِي حَجَّتِهِ الَّتِي حَجَّ فِيهَا لِأَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ نَفَاهَا وَأَسْنَدَهُ إلَى أُسَامَةَ، وَابْنُ عُمَرَ أَثْبَتَهَا وَأَسْنَدَ إثْبَاتَهُ إلَى بِلَالٍ وَإِلَى أُسَامَةَ أَيْضًا فَإِذَا حُمِلَ الْخَبَرُ عَلَى مَا وَصَفْنَا بَطَلَ التَّعَارُضُ. قَالَ الْحَافِظُ: وَهَذَا جَمْعٌ حَسَنٌ لَكِنْ تَعَقَّبَهُ النَّوَوِيُّ بِأَنَّهُ لَا خِلَافَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَخَلَ فِي يَوْمِ الْفَتْحِ لَا فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، وَيُشْهَدُ لَهُ مَا رَوَى الْأَزْرَقِيُّ فِي كِتَابِ مَكَّةَ. عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا دَخَلَ. الْكَعْبَةَ مَرَّةً وَاحِدَةً عَامَ الْفَتْحِ. وَأَمَّا يَوْمَ حَجَّ فَلَمْ يَدْخُلْهَا وَإِذَا كَانَ الْأَمْرُ. كَذَلِكَ فَلَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ دَخَلَهَا عَامَ الْفَتْحِ مَرَّتَيْنِ وَيَكُونَ الْمُرَادُ بِالْوَحْدَةِ وَحْدَةُ السَّفَرِ لَا الدُّخُولِ

<<  <  ج: ص:  >  >>