للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٦٣٣ - (وَعَنْ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ أَكَلَ الثُّومَ وَالْبَصَلَ وَالْكُرَّاثَ فَلَا يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَتَأَذَّى مِمَّا يَتَأَذَّى مِنْهُ بَنُو آدَمَ.» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) .

ــ

[نيل الأوطار]

هَذَا فَيُسْتَحَبُّ بِنَاءُ الْمَسْجِدِ مِنْ حَجَرٍ أَوْ لَبِنٍ أَوْ مَدَرٍ أَوْ خَشَبٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ فِي كُلِّ مَحَلَّةٍ يَحِلُّهَا الْمُقِيمُونَ بِهَا وَكُلِّ بَسَاتِينَ مُجْتَمِعَةٍ. وَقَالَ فِي شَرْحِ الْمِشْكَاةِ: الدُّورُ الْمَذْكُورَةُ فِي الْحَدِيثِ جَمْعُ دَارٍ وَهُوَ اسْمٌ جَامِعٌ لِلْبِنَاءِ وَالْعَرْصَةِ وَالْمَحَلَّةِ، وَالْمُرَادُ الْمَحِلَّاتُ فَإِنَّهُمْ كَانُوا يُسَمُّونَ الْمَحَلَّةِ الَّتِي اجْتَمَعَتْ فِيهَا قَبِيلَةٌ دَارًا أَوْ مَحْمُولٌ عَلَى اتِّخَاذِ بَيْتٍ لِلصَّلَاةِ، كَالْمَسْجِدِ يُصَلِّي فِيهِ أَهْلُ الْبَيْتِ قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ

وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ انْتَهَى. وَقَالَ شَارِحُ الْمَصَابِيحِ: يَحْتَمِلُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَذِنَ أَنْ يَبْنِيَ الرَّجُلُ فِي دَارِهِ مَسْجِدًا يُصَلِّي فِيهِ أَهْلُ بَيْتِهِ اهـ.

فَعَلَى تَفْسِيرِ الدَّارِ بِالْمَحَلَّةِ الْمَسَاجِدُ الْمَذْكُورَةُ فِي الْحَدِيثِ جَمْعُ مَسْجِدٍ بِكَسْرِ الْجِيمِ، وَعَلَى تَفْسِيرِهَا بِدَارِ الرَّجُلِ الْمَسَاجِدُ جَمْعٌ بِفَتْحِ الْجِيمِ، وَقَدْ نُقِلَ عَنْ سِيبَوَيْهِ مَا يُؤَدِّي هَذَا الْمَعْنَى. قَوْلُهُ: (وَأَنْ تُنَظِّفَ) بِالظَّاءِ الْمُشَالَةِ لَا بِالضَّادِ فَإِنَّهُ تَصْحِيفٌ وَمَعْنَاهُ تُطَهَّرُ كَمَا فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَاجَهْ وَالْمُرَادُ تَنْظِيفُهَا مِنْ الْوَسَخِ وَالدَّنَسِ. قَالَهُ: (وَتُطَيَّبُ) قَالَ ابْنُ رَسْلَانَ: بِطِيبِ الرِّجَالِ: وَهُوَ مَا خَفِيَ لَوْنُهُ وَظَهَرَ رِيحُهُ، فَإِنَّ اللَّوْنَ رُبَّمَا شَغَلَ بَصَرَ الْمُصَلِّي. وَالْأَوْلَى فِي تَطْيِيبِ الْمَسْجِدِ مَوَاضِعُ الْمُصَلِّينَ وَمَوَاضِعُ سُجُودِهِمْ أَوْلَى وَيَجُوزُ أَنْ يُحْمَلَ التَّطْيِيبُ عَلَى التَّجْمِيرِ فِي الْمَسْجِدِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْأَمْرَ بِبِنَاءِ الْمَسْجِدِ لِلنَّدْبِ لِحَدِيثِ: «جُعِلَتْ لَنَا الْأَرْضُ مَسْجِدًا» وَحَدِيثُ: «أَيْنَمَا أَدْرَكْت الصَّلَاةَ فَصَلِّ» .

قَالَ النَّوَوِيُّ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ حَدِيثَ مُسْلِمٍ بِلَفْظِ «فَلَا يَقْرَبَنَّ الْمَسَاجِدَ» : هَذَا تَصْرِيحٌ بِنَهْيِ مَنْ أَكَلَ الثُّومَ وَنَحْوَهُ عَنْ دُخُولِ كُلِّ مَسْجِدٍ وَهَذَا مَذْهَبُ الْعُلَمَاءِ كَافَّةً إلَّا مَا حَكَاهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ أَنَّ النَّهْيَ خَاصٌّ بِمَسْجِدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِقَوْلِهِ فِي رِوَايَةٍ " مَسْجِدَنَا " وَحُجَّةُ الْجُمْهُورِ " فَلَا يَقْرَبَنَّ الْمَسَاجِدَ ". قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: وَيَكُونُ مَسْجِدُنَا لِجِنْسٍ أَوْ لِضَرْبِ الْمِثَالِ فَإِنَّهُ مُعَلَّلٌ إمَّا بِتَأَذِّي الْآدَمِيِّينَ أَوْ بِتَأَذِّي الْمَلَائِكَةِ الْحَاضِرِينَ وَذَلِكَ قَدْ يُوجَدُ فِي الْمَسَاجِدِ كُلِّهَا ثُمَّ إنَّ النَّهْيَ إنَّمَا هُوَ عَنْ حُضُورِ الْمَسْجِدِ لَا عَنْ أَكْلِ الثُّومِ وَالْبَصَلِ وَنَحْوِهِمَا فَهَذِهِ الْبُقُولُ حَلَالٌ بِإِجْمَاعِ مَنْ يُعْتَدُّ بِهِ

وَحَكَى الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ أَهْلِ الظَّاهِرِ تَحْرِيمَهَا لِأَنَّهَا تَمْنَعُ عَنْ حُضُورِ الْجَمَاعَةِ وَهِيَ عِنْدَهُمْ فَرْضُ عَيْنٍ، وَحُجَّةُ الْجُمْهُورِ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي أَحَادِيثِ الْبَابِ: «كُلْ فَإِنِّي أُنَاجِي مَنْ لَا تُنَاجِي» وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَيُّهَا النَّاسُ لَيْسَ لِي تَحْرِيمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ وَلَكِنَّهَا شَجَرَةٌ أَكْرَهُ رِيحَهَا» أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ. قَالَ الْعُلَمَاءُ: وَيَلْحَقُ بِالثُّومِ وَالْبَصَلِ وَالْكُرَّاثِ مَا لَهُ رَائِحَةٌ كَرِيهَةٌ مِنْ الْمَأْكُولَاتِ وَغَيْرِهَا. قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: وَيَلْحَقُ

<<  <  ج: ص:  >  >>