للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[نيل الأوطار]

صَلَاةَ الْغَدَاةِ» وَفِي التِّرْمِذِيِّ مِنْ حَدِيثِ الْبَرَاءِ بِلَفْظِ «فَصَلَّى رَجُلٌ مَعَهُ الْعَصْرَ» وَسَاقَ الْحَدِيثَ وَهُوَ مُصَرِّحٌ بِذَلِكَ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ مِنْ حَدِيثِ الْبَرَاءِ وَلَيْسَ عِنْدَ مُسْلِمٍ تَعْيِينُ الصَّلَاةِ مِنْ حَدِيثِ الْبَرَاءِ وَفِي حَدِيثِ عُمَارَةَ بْنِ أَوْسٍ أَنَّ الَّتِي صَلَّاهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى الْكَعْبَةِ إحْدَى صَلَاتَيْ الْعَشِيِّ وَهَكَذَا فِي حَدِيثِ عُمَارَةَ بْن رُوَيْبَةَ وَحَدِيثِ تَوِيلَةَ وَفِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدِ بْنِ الْمُعَلَّى أَنَّهَا الظُّهْرُ. وَالْجَمْعُ بَيْنَ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ أَنَّ مَنْ قَالَ إحْدَى صَلَاتَيْ الْعَشِيِّ شَكَّ هَلْ هِيَ الظُّهْرُ أَوْ الْعَصْرُ؟ وَلَيْسَ مَنْ شَكَّ حُجَّةً عَلَى مَنْ جَزَمَ، فَنَظَرْنَا فِيمَنْ جَزَمَ فَوَجَدْنَا بَعْضَهُمْ قَالَ الظُّهْرُ، وَبَعْضَهُمْ قَالَ الْعَصْرُ، وَوَجَدْنَا رِوَايَةَ الْعَصْرِ أَصَحَّ لِثِقَةِ رِجَالِهَا وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ لَهَا فِي صَحِيحِهِ. وَأَمَّا حَدِيثُ كَوْنِهَا الظُّهْرَ فَفِي إسْنَادِهَا مَرْوَانُ بْنُ عُثْمَانَ وَهُوَ مُخْتَلَفٌ فِيهِ وَأَمَّا رِوَايَةُ أَنَّ أَهْلَ قُبَاءَ كَانُوا فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ فَيُمْكِنُ أَنَّهُ أَبْطَأَ الْخَبَرَ عَنْهُمْ إلَى صَلَاةِ الصُّبْحِ. قَالَ ابْنُ سَعْدٍ فِي الطَّبَقَاتِ حَاكِيًا عَنْ بَعْضِهِمْ: إنَّ ذَلِكَ كَانَ بِمَسْجِدِ الْمَدِينَةِ، فَقَالَ: وَيُقَالُ «صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَكْعَتَيْنِ مِنْ الظُّهْرِ فِي مَسْجِدِهِ بِالْمُسْلِمِينَ ثُمَّ أُمِرَ أَنْ يَتَوَجَّهَ إلَى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَاسْتَدَارَ إلَيْهِ وَكَانَ مَعَهُ الْمُسْلِمُونَ» وَيَكُونُ الْمَعْنَى بِرِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ أَنَّهَا الْعَصْرُ: أَيْ أَنَّ أَوَّلَ صَلَاةٍ صَلَّاهَا إلَى الْكَعْبَةِ كَامِلَةً صَلَاةُ الْعَصْرِ.

قَوْلُهُ: (إذْ جَاءَهُمْ آتٍ) قِيلَ هُوَ عَبَّادُ بْنُ بِشْرٍ وَقِيلَ عَبَّادُ بْنُ نَهِيكٍ وَقِيلَ غَيْرُهُمَا. قَوْلُهُ: (فَاسْتَقْبَلُوهَا) بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ لِلْأَكْثَرِ: أَيْ فَتَحَوَّلُوا إلَى جِهَةِ الْكَعْبَةِ وَفَاعِلُ اسْتَقْبَلُوهَا الْمُخَاطَبُونَ بِذَلِكَ وَهُمْ أَهْلُ قُبَاءَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونُ فَاعِلُ اسْتَقْبَلُوهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَنْ مَعَهُ. وَفِي رِوَايَةٍ فِي الْبُخَارِيِّ بِكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ بِصِغَةِ الْأَمْرِ وَيُؤَيِّدُ الْكَسْرَ مَا عِنْدَ الْبُخَارِيِّ فِي التَّفْسِيرِ بِلَفْظِ " أَلَا فَاسْتَقْبِلُوهَا "

قَوْلُهُ: (وَكَانَتْ وُجُوهُهُمْ) هُوَ تَفْسِيرٌ مِنْ الرَّاوِي لِلتَّحَوُّلِ الْمَذْكُورِ وَالضَّمِيرُ فِي وُجُوهِهِمْ فِيهِ الِاحْتِمَالَانِ، وَقَدْ وَقَعَ بَيَانُ كَيْفِيَّةِ التَّحَوُّلِ فِي خَبَرِ تَوِيلَةَ قَالَتْ: " فَتَحَوَّلَ النِّسَاءُ مَكَانَ الرِّجَالِ وَالرِّجَالُ مَكَانَ النِّسَاءِ ". قَالَ الْحَافِظُ: وَتَصْوِيرُهُ أَنَّ الْإِمَامَ تَحَوَّلَ مِنْ مَكَانِهِ فِي مُقَدَّمِ الْمَسْجِدِ إلَى مُؤَخَّرِ الْمَسْجِدِ لِأَنَّ مِنْ اسْتَقْبَلَ الْكَعْبَةَ اسْتَدْبَرَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ وَهُوَ لَوْ دَارَ فِي مَكَانِهِ لَمْ يَكُنْ خَلْفَهُ مَكَانٌ يَسَعُ الصُّفُوفَ. وَلَمَّا تَحَوَّلَ الْإِمَامُ تَحَوَّلَتْ الرِّجَالُ حَتَّى صَارُوا خَلْفَهُ، وَتَحَوَّلَ النِّسَاءُ حَتَّى صِرْنَ خَلْفَ الرِّجَالِ، وَهَذَا يَسْتَدْعِي عَمَلًا كَثِيرًا فِي الصَّلَاةِ فَيَحْتَمِلُ أَنَّ ذَلِكَ وَقَعَ قَبْلَ تَحْرِيمِ الْعَمَلِ الْكَثِيرِ كَمَا كَانَ قَبْلَ تَحْرِيمِ الْكَلَامِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ اُغْتُفِرَ الْعَمَلُ الْمَذْكُورُ مِنْ أَجْلِ الْمَصْلَحَةِ الْمَذْكُورَةِ، أَوْ وَقَعَتْ الْخُطُوَاتُ غَيْرَ مُتَوَالِيَةٍ عِنْدَ التَّحَوُّلِ بَلْ وَقَعَتْ مُفَرَّقَةً.

وَلِلْحَدِيثِ الْأَوَّلِ فَوَائِدُ مِنْهَا أَنَّ حُكْمَ النَّاسِخِ لَا يَثْبُتُ فِي حَقِّ الْمُكَلَّفِ حَتَّى يَبْلُغَهُ لِأَنَّ أَهْلَ قُبَاءَ لَمْ يُؤْمَرُوا بِالْإِعَادَةِ. وَمِنْهَا جَوَازُ الِاجْتِهَادِ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي أَمْرِ الْقِبْلَةِ، لِأَنَّ الْأَنْصَارَ تَحَوَّلُوا إلَى جِهَةِ الْكَعْبَةِ بِالِاجْتِهَادِ، وَنَظَرَهُ الْحَافِظُ قَالَ: يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُمْ

<<  <  ج: ص:  >  >>