(وَعَنْ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ، وَقَدْ صَحَّ عَنْهُ كَانَ يَفْتَتِحُ بِالتَّكْبِيرِ)
ــ
[نيل الأوطار]
مِنْهَا. نَعَمْ وَقَعَ فِي بَعْضِ رِوَايَاتِ الْحَدِيثِ بِلَفْظِ «أَنَّهُ لَمَّا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: فَإِنَّك لَمْ تُصَلِّ كَبُرَ عَلَى النَّاسِ أَنَّهُ مَنْ أَخَفَّ صَلَاتَهُ لَمْ يُصَلِّ، حَتَّى قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنْ انْتَقَصْت مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَقَدْ انْتَقَصْت مِنْ صَلَاتِك فَكَانَ أَهْوَنَ عَلَيْهِمْ»
فَكَوْنُ هَذِهِ الْمَقَالَةِ كَانَتْ أَهْوَنَ عَلَيْهِمْ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ نَفْيَ التَّمَامِ الْمَذْكُورِ بِمَعْنَى نَفْيِ الْكَمَالِ، إذْ لَوْ كَانَ بِمَعْنَى نَفْيِ الصِّحَّةِ لَمْ يَكُنْ فَرْقٌ بَيْنَ الْمَقَالَتَيْنِ، وَلَمَّا كَانَتْ هَذِهِ أَهْوَنَ عَلَيْهِمْ، وَلَا يَخْفَاك أَنَّ الْحُجَّةَ فِي الَّذِي جَاءَنَا عَنْ الشَّارِعِ مِنْ قَوْلِهِ وَفِعْلِهِ وَتَقْرِيرِهِ لَا فِي فَهْمِ بَعْضِ الصَّحَابَةِ، سَلَّمْنَا أَنَّ فَهْمَهُمْ حُجَّةٌ لِكَوْنِهِمْ أَعْرَفَ بِمَقَاصِدِ الشَّارِعِ، فَنَحْنُ نَقُولُ بِمُوجِبِ مَا فَهِمُوهُ وَنُسَلِّمُ أَنَّ بَيْنَ الْحَالَتَيْنِ تَفَاوُتًا، وَلَكِنَّ ذَلِكَ التَّفَاوُتَ مِنْ جِهَةِ أَنَّ مَنْ أَتَى بِبَعْضِ وَاجِبَاتِ الصَّلَاةِ فَقَدْ فَعَلَ خَيْرًا مِنْ قِيَامٍ وَذِكْرٍ وَتِلَاوَةٍ، وَإِنَّمَا يُؤْمَرُ بِالْإِعَادَةِ لِدَفْعِ عُقُوبَةِ مَا تَرَكَ، وَتَرْكُ الْوَاجِبِ سَبَبًا لِلْعِقَابِ فَإِذَا كَانَ يُعَاقَبُ بِسَبَبِ تَرْكِ الْبَعْضِ لَزِمَهُ أَنْ يَفْعَلَهُ إنْ أَمْكَنَ فِعْلُهُ وَحْدَهُ، وَإِلَّا فَعَلَهُ مَعَ غَيْرِهِ وَالصَّلَاةُ لَا يُمْكِنُ فِعْلُ الْمَتْرُوكِ مِنْهَا إلَّا بِفِعْلِ جَمِيعِهَا. وَقَدْ أَجَابَ بِمَعْنَى هَذَا الْجَوَابِ الْحَافِظُ ابْنُ تَيْمِيَّةَ حَفِيدُ الْمُصَنِّفِ وَهُوَ حَسَنٌ ثُمَّ إنَّا نَقُول غَايَةَ مَا يَنْتَهِضُ لَهُ دَعْوَى مَنْ قَالَ إنَّ نَفْيَ التَّمَامِ بِمَعْنَى نَفْيِ الْكَمَالِ هُوَ عَدَمُ الشَّرْطِيَّةِ لَا عَدَمُ الْوُجُوبِ، لِأَنَّ الْمَجِيءَ بِالصَّلَاةِ تَامَّةً كَامِلَةً وَاجِبٌ
وَمَا أَحْسَنَ مَا قَالَهُ ابْنُ تَيْمِيَّةَ فِي الْمَقَامِ وَلَفْظُهُ: وَمَنْ قَالَ مِنْ الْفُقَهَاءِ: إنَّ هَذَا لِنَفْيِ الْكَمَالِ قِيلَ: إنْ أَرَدْت الْكَمَالَ الْمُسْتَحَبَّ فَهَذَا بَاطِلٌ لِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ هَذَا لَا يُوجَدُ قَطُّ فِي لَفْظِ الشَّارِعِ أَنَّهُ يَنْفِي عَمَلًا فَعَلَهُ الْعَبْدُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي وَجَبَ عَلَيْهِ، ثُمَّ يَنْفِيه لِتَرْكِ الْمُسْتَحَبَّاتِ، بَلْ الشَّارِعُ لَا يَنْفِي عَمَلًا إلَّا إذَا لَمْ يَفْعَلْهُ الْعَبْدُ كَمَا وَجَبَ عَلَيْهِ. وَالثَّانِي: لَوْ نُفِيَ لِتَرْكِ مُسْتَحَبٍّ لَكَانَ عَامَّةُ النَّاسِ لَا صَلَاةَ لَهُمْ وَلَا صُيَّامَ، فَإِنَّ الْكَمَالَ الْمُسْتَحَبَّ مُتَفَاوِتٌ إذْ كُلُّ مَنْ لَمْ يُكْمِلْهَا كَتَكْمِيلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُقَالُ: لَا صَلَاةَ لَهُ اهـ.
قَوْلُهُ: (وَتَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ) سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي بَابِ كَوْنِ السَّلَامِ فَرْضًا.
٦٦٣ - (وَعَنْ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ، وَقَدْ صَحَّ عَنْهُ كَانَ يَفْتَتِحُ بِالتَّكْبِيرِ)
الْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ جَمِيعِ مَا ثَبَتَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الصَّلَاةِ مِنْ الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ وَيُؤَكِّدُ الْوُجُوبَ كَوْنُهَا بَيَانٌ لِمُجْمَلٍ
قَوْلُهُ {أَقِيمُوا الصَّلاةَ} [الأنعام: ٧٢] وَهُوَ أَمْرٌ قُرْآنِيٌّ يُفِيدُ الْوُجُوبَ، وَبَيَانُ الْمُجْمَلِ الْوَاجِبِ وَاجِبٌ كَمَا تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ إلَّا أَنَّهُ ثَبَتَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اقْتَصَرَ فِي تَعْلِيمِ الْمُسِيءِ صَلَاتَهُ عَلَى بَعْضِ مَا كَانَ يَفْعَلُهُ وَيُدَاوِمُ عَلَيْهِ، فَعِلْمُنَا بِذَلِكَ أَنَّهُ لَا وُجُوبَ لِمَا خَرَجَ عَنْهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute