. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[نيل الأوطار]
إذْ أَغْفَى، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ مُتَبَسِّمًا، فَقُلْنَا لَهُ: مَا أَضْحَكَك يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ: نَزَلَتْ عَلَيَّ آنِفًا سُورَةٌ فَقَرَأَ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} [الكوثر: ١] {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [الكوثر: ٢] {إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ} [الكوثر: ٣] . ثُمَّ قَالَ: أَتَدْرُونَ مَا الْكَوْثَرَ؟ قَالَ: وَذَكَرَ الْحَدِيثَ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ) . تَمَامُ الْحَدِيثِ «قُلْنَا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: إنَّهُ نَهْرٌ وَعَدَنِيهِ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِ خَيْرٌ كَثِيرٌ وَهُوَ حَوْضٌ يَرِدُ عَلَيْهِ أُمَّتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ، آنِيَتُهُ عَدَدُ نُجُومِ السَّمَاءِ فَيَخْتَلِجُ الْعَبْدُ مِنْهُمْ فَأَقُولُ: رَبِّ إنَّهُ مِنْ أُمَّتِي، فَيَقُولُ: مَا تَدْرِي مَا أَحْدَثَ بَعْدَك» . هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ جُمْلَةِ أَدِلَّةِ مَنْ أَثْبَتَ الْبَسْمَلَةَ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُمْ. وَمِنْ أَدِلَّتِهِمْ عَلَى إثْبَاتِهَا مَا ثَبَتَ فِي الْمَصَاحِفِ مِنْهَا بِغَيْرِ تَمْيِيزٍ كَمَا مَيَّزُوا أَسْمَاءَ السُّوَرِ وَعَدَدَ الْآيِ بِالْحُمْرَةِ أَوْ غَيْرِهَا مِمَّا يُخَالِفُ صُورَةَ الْمَكْتُوبِ قُرْآنًا. وَأَجَابَ عَنْ ذَلِكَ الْقَائِلُونَ بِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ الْقُرْآنِ أَنَّهَا ثَبَتَتْ لِلْفَصْلِ بَيْنَ السُّوَرِ. تَخَلَّصَ الْقَائِلُونَ بِإِثْبَاتِهَا عَنْ هَذَا الْجَوَابِ بِوُجُوهٍ: الْأَوَّلُ أَنَّ هَذَا تَغْرِيرٌ وَلَا يَجُوزُ ارْتِكَابُهُ لِمُجَرَّدِ الْفَصْلِ. الثَّانِي لَوْ كَانَ لِلْفَصْلِ لَكُتِبَتْ بَيْنَ بَرَاءَةٌ وَالْأَنْفَالِ وَلِمَا كُتِبَتْ فِي أَوَّلِ الْفَاتِحَةِ. الثَّالِثُ أَنَّ الْفَصْلَ كَانَ مُمْكِنًا بِتَرَاجِمِ السُّوَرِ كَمَا حَصَلَ بَيْنَ بَرَاءَةٌ وَالْأَنْفَالِ
وَمِنْ جُمْلَةِ حُجَجِ الْمُثْبَتِينَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْأَحَادِيثِ الْمُصَرَّحَةِ بِأَنَّهَا آيَةٌ مِنْ الْفَاتِحَةِ. وَأَجَابَ مَنْ لَمْ يُثْبِتْهَا بِأَنَّ الْقُرْآنَ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِالتَّوَاتُرِ وَلَا تَوَاتُرَ لَا سِيَّمَا مَعَ وُرُودِ الْأَدِلَّةِ الدَّالَّةِ عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ بِقُرْآنٍ كَحَدِيثَيْ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهُمَا فِي هَذَا الْبَابِ وَحَدِيثِ إتْيَانِ جِبْرِيلَ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَوْلُهُ: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} [العلق: ١] رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ، وَسَائِرُ الْأَحَادِيثِ الْمُتَقَدِّمَةِ فِي الْبَابِ الْأَوَّلِ. وَبِإِجْمَاعِ أَهْلِ الْعَدَدِ عَلَى تَرْكِ عَدِّهَا آيَةً مِنْ غَيْرِ الْفَاتِحَةِ وَتَخَلَّصَ الْمُثْبِتُونَ عَنْ قَوْلِهِمْ لَا يَثْبُتُ الْقُرْآنُ إلَّا بِالتَّوَاتُرِ بِوَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ: أَنَّ إثْبَاتَهَا فِي الْمُصْحَفِ فِي مَعْنَى التَّوَاتُرِ، وَقَدْ صَرَّحَ عَضُدُ الدِّينِ أَنَّ الرَّسْمَ دَلِيلٌ عِلْمِيٌّ. الثَّانِي أَنَّ التَّوَاتُرَ إنَّمَا يُشْتَرَطُ فِيمَا ثَبَتَ قُرْآنًا عَلَى سَبِيلِ الْقَطْعِ، فَأَمَّا مَا ثَبَتَ قُرْآنًا عَلَى سَبِيلِ الْحُكْمِ فَلَا وَالْبَسْمَلَةُ قُرْآنٌ عَلَى سَبِيلِ الْحُكْمِ. وَمِنْ جُمْلَةِ مَا أُجِيبَ بِهِ أَنَّ عَدَمَ تَوَاتُرِهَا مَمْنُوعٌ لِأَنَّ بَعْضَ الْقُرَّاءِ السَّبْعَةِ أَثْبَتَهَا وَالْقِرَاءَاتُ السَّبْعُ مُتَوَاتِرَةٌ فَيَلْزَمُ تَوَاتُرُهَا، وَالِاخْتِلَافُ لَا يُلْزِمُ عَدَمَ التَّوَاتُرِ فَكَثِيرًا مَا يَقَعُ لِبَعْضِ الْبَاحِثِينَ، وَلَا يَقَعُ لِمَنْ لَمْ يَبْحَثْ كُلَّ الْبَحْثِ وَمَحِلُّ الْبَحْثِ الْأُصُولُ فَمَنْ رَامَ الِاسْتِيفَاءَ فَلِيُرَاجِعْ مُطَوَّلَاتِهِ.
٦٩٢ - (وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَعْرِفُ فَصْلَ السُّورَةِ حَتَّى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute