للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[نيل الأوطار]

أَفْرُكُ الْمَنِيَّ مِنْ ثَوْبِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا كَانَ يَابِسًا وَأَغْسِلُهُ إذَا كَانَ رَطْبًا» كَحَدِيثِ الْبَابِ وَأَعَلَّهُ الْبَزَّارُ بِالْإِرْسَالِ.

قَالَ الْحَافِظُ: وَقَدْ وَرَدَ الْأَمْرُ بِفَرْكِهِ مِنْ طَرِيقٍ صَحِيحَةٍ رَوَاهَا ابْنُ الْجَارُودِ فِي الْمُنْتَقَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى عَنْ أَبِي حُذَيْفَةَ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ هَمَّامِ بْنِ الْحَارِثِ قَالَ: «كَانَ عِنْدَ عَائِشَةَ ضَيْفٌ فَأَجْنَبَ فَجَعَلَ يَغْسِلُ مَا أَصَابَهُ فَقَالَتْ عَائِشَةُ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَأْمُرُنَا بِحَتِّهِ» . قَالَ: وَأَمَّا الْأَمْرُ بِغَسْلِهِ فَلَا أَصْلَ لَهُ.

وَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ أَخْرَجَهُ أَيْضًا الْبَيْهَقِيُّ وَالطَّحَاوِيُّ مَرْفُوعًا، وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا الْبَيْهَقِيُّ مَوْقُوفًا عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ وَقَالَ: الْمَوْقُوفُ هُوَ الصَّحِيحُ. قَوْلُهُ: (أَفْرُكُ) أَيْ أَدْلُكُ. قَوْلُهُ: (بِعِرْقِ الْإِذْخِرِ) هُوَ حَشِيشٌ طَيِّبُ الرِّيحِ.

قَوْلُهُ: (كُنْت أَغْسِلُهُ) أَيْ أَثَرَ الْجَنَابَةِ أَوْ الْمَنِيِّ. قَوْلُهُ: (بُقَعُ الْمَاءِ) هُوَ بَدَلٌ مِنْ أَثَرُ الْغَسْلِ. وَقَدْ اُسْتُدِلَّ بِمَا فِي الْبَابِ عَلَى أَنَّهُ يُكْتَفَى فِي إزَالَةِ الْمَنِيِّ مِنْ الثَّوْبِ بِالْغَسْلِ أَوْ الْفَرْكِ أَوْ الْحَتِّ، وَقَدْ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي الْمَنِيِّ فَذَهَبَتْ الْعِتْرَةُ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ إلَى نَجَاسَتِهِ إلَّا أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ: يَكْفِي فِي تَطْهِيرِهِ فَرْكُهُ إذَا كَانَ يَابِسًا، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ. وَقَالَتْ الْعِتْرَةُ وَمَالِكٌ: لَا بُدَّ مِنْ غَسْلِهِ رَطْبًا وَيَابِسًا. وَقَالَ اللَّيْثُ: هُوَ نَجِسٌ وَلَا تُعَادُ مِنْهُ الصَّلَاةُ.

وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ: لَا تُعَادُ الصَّلَاةُ مِنْ الْمَنِيِّ فِي الثَّوْبِ وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا، وَتُعَادُ مِنْهُ إنْ كَانَ فِي الْجَسَدِ وَإِنْ قَلَّ قَالَ ابْنُ حَزْمٍ فِي الْمُحَلَّى: وَرَوَيْنَا غَسْلَهُ مِنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَأَنَسٍ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَدَاوُد وَهُوَ أَصَحُّ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ بِطَهَارَتِهِ، وَنَسَبَهُ النَّوَوِيُّ إلَى الْكَثِيرِينَ وَأَهْلِ الْحَدِيثِ، قَالَ: وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ وَابْنِ عُمَرَ وَعَائِشَةَ، قَالَ: وَقَدْ غَلِطَ مَنْ أَوْهَمَ أَنَّ الشَّافِعِيَّ مُنْفَرِدٌ بِطَهَارَتِهِ.

احْتَجَّ الْقَائِلُونَ بِنَجَاسَتِهِ بِمَا رُوِيَ فِي غَسْلِهِ وَالْغَسْلُ لَا يَكُونُ إلَّا لِشَيْءٍ نَجِسٍ. وَأُجِيبُ بِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ الْأَمْرُ بِغَسْلِهِ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي شَيْءٍ مِنْ أَحَادِيثِ الْبَابِ، وَإِنَّمَا كَانَتْ تَفْعَلُهُ عَائِشَةُ وَلَا حُجَّةَ فِي فِعْلِهَا إلَّا إذَا ثَبَتَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلِمَ بِفِعْلِهَا وَأَقَرَّهَا عَلَى أَنَّ عِلْمَهُ بِفِعْلِهَا وَتَقْرِيرَهُ لَهَا لَا يَدُلُّ عَلَى الْمَطْلُوبِ، لِأَنَّ غَايَةَ مَا هُنَاكَ أَنَّهُ يَجُوزُ غَسْلُ الْمَنِيِّ مِنْ الثَّوْبِ، وَهَذَا مِمَّا لَا خِلَافَ فِيهِ، بَلْ يَجُوزُ غَسْلُ مَا كَانَ مُتَّفَقًا عَلَى طَهَارَتِهِ كَالطِّيبِ وَالتُّرَابِ فَكَيْفَ بِمَا كَانَ مُسْتَقْذَرًا.

وَأَمَّا الِاحْتِجَاجُ بِحَدِيثِ عَمَّارٍ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ: «إنَّمَا نَغْسِلُ الثَّوْبَ مِنْ الْغَائِطِ وَالْبَوْلِ وَالْمَذْيِ وَالْمَنِيِّ وَالدَّمِ وَالْقَيْءِ» أَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ وَأَبُو يَعْلَى الْمُوصِلِيُّ فِي مُسْنَدَيْهِمَا وَابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَالْعُقَيْلِيُّ فِي الضُّعَفَاءِ، وَأَبُو نُعَيْمٍ فِي الْمُعْرِفَة، فَأُجِيبُ عَنْهُ بِأَنَّ الْجَمَاعَةَ الْمَذْكُورِينَ كُلَّهُمْ ضَعَّفُوهُ إلَّا أَبَا يَعْلَى؛ لِأَنَّ فِي إسْنَادِهِ ثَابِتُ بْنُ حَمَّادٍ اتَّهَمَهُ بَعْضُهُمْ بِالْوَضْعِ. وَقَالَ اللَّالَكَائِيُّ: أَجْمَعُوا عَلَى تَرْكِ حَدِيثِهِ، وَقَالَ الْبَزَّارُ: لَا يُعْلَمُ لِثَابِتٍ إلَّا هَذَا الْحَدِيثُ. وَقَالَ الطَّبَرَانِيُّ: انْفَرَدَ بِهِ ثَابِتُ بْنُ حَمَّادٍ وَلَا يُرْوَى عَنْ عَمَّارٍ إلَّا بِهَذَا الْإِسْنَادِ.

وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ:

<<  <  ج: ص:  >  >>