. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[نيل الأوطار]
عُبَادَةَ فِي رِوَايَةٍ لَهُ بِلَفْظِ " فَالْتَبَسَتْ عَلَيْهِ الْقِرَاءَةُ ". قَوْلُهُ: (لَا تَفْعَلُوا) هَذَا النَّهْيُ مَحْمُولٌ عَلَى الصَّلَاةِ الْجَهْرِيَّةِ كَمَا فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ بِلَفْظِ " إذَا جَهَرْت بِهِ " وَبِلَفْظِ: " إذَا جَهَرْت بِالْقِرَاءَةِ " وَفِي رِوَايَةِ لِمَالِكٍ وَالنَّسَائِيُّ وَأَبِي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيِّ وَحَسَّنَهَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ «فَانْتَهَى النَّاسُ عَنْ الْقِرَاءَةِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيمَا جَهَرَ فِيهِ حِينَ سَمِعُوا ذَلِكَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا.
وَفِي لَفْظٍ لِلدَّارَقُطْنِيِّ «إذَا أَسْرَرْت بِقِرَاءَتِي فَاقْرَءُوا وَإِذَا جَهَرْت بِقِرَاءَتِي فَلَا يَقْرَأْ مَعِي أَحَدٌ» . قَوْلُهُ: (فَإِنَّهُ لَا صَلَاةَ) قَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى مَا يُقَدَّرُ فِي هَذَا النَّفْيِ
وَالْحَدِيثُ اسْتَدَلَّ بِهِ مَنْ قَالَ بِوُجُوبِ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ وَهُوَ الْحَقُّ. وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ ذَلِكَ، وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ الْإِذْنُ بِقِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ جَهْرًا لِأَنَّهُ اسْتَثْنَى مِنْ النَّهْيِ عَنْ الْجَهْرِ خَلْفَهُ، وَلَكِنَّهُ أَخْرَجَ ابْنُ حِبَّانَ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَتَقْرَءُونَ فِي صَلَاتِكُمْ خَلْفَ الْإِمَامِ وَالْإِمَامُ يَقْرَأُ؟ فَلَا تَفْعَلُوا وَلْيَقْرَأْ أَحَدُكُمْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ فِي نَفْسِهِ» وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ وَالْبَيْهَقِيُّ، وَأَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ مُرْسَلًا، وَظَاهِرُ التَّقْيِيدِ بِقَوْلِهِ " مِنْ الْقُرْآنِ " يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِالِاسْتِفْتَاحِ حَالَ قِرَاءَةِ الْإِمَامِ بِمَا لَيْسَ بِقُرْآنٍ وَالتَّعَوُّذِ وَالدُّعَاءِ. وَقَدْ ذَهَبَ ابْنُ حَزْمٍ إلَى أَنَّ الْمُؤْتَمَّ لَا يَأْتِي بِالتَّوَجُّهِ وَرَاءَ الْإِمَامِ، قَالَ: لِأَنَّ فِيهِ شَيْئًا مِنْ الْقُرْآنِ، وَقَدْ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُقْرَأَ خَلْفَ الْإِمَامِ إلَّا أُمَّ الْقُرْآنِ وَهُوَ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّهُ إنْ أَرَادَ بِقَوْلِهِ: لِأَنَّ فِيهِ شَيْئًا مِنْ الْقُرْآنِ كُلَّ تَوَجُّهٍ، فَقَدْ عَرَفْت مِمَّا سَلَفَ أَنَّ أَكْثَرَهَا مِمَّا لَا قُرْآنَ فِيهِ، وَإِنْ أَرَادَ خُصُوصَ تَوَجُّهِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الَّذِي فِيهِ " وَجَّهْت وَجْهِي إلَى آخِرِهِ " فَلَيْسَ مَحَلَّ النِّزَاعِ هَذَا التَّوَجُّهُ الْخَاصِّ وَلَكِنَّهُ يَنْبَغِي لِمَنْ صَلَّى خَلْفَ إمَامٍ يَتَوَجَّهُ قَبْلَ التَّكْبِيرَةِ كَالْهَادَوِيَّةِ أَوْ دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ حَالَ قِرَاءَةِ الْإِمَامِ أَنْ يَأْتِيَ بِأَخْصَرِ التَّوَجُّهَاتِ لِيَتَفَرَّغَ لِسَمَاعِ قِرَاءَةِ الْإِمَامِ
وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ لَا يَتَوَجَّهُ بِشَيْءٍ مِنْ التَّوَجُّهَاتِ مَنْ صَلَّى خَلْفَ إمَامٍ لَا يَتَوَجَّهُ بَعْدَ التَّكْبِيرَةِ لِأَنَّ عُمُومَاتِ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ قَدْ دَلَّتْ عَلَى وُجُوبِ الْإِنْصَاتِ وَالِاسْتِمَاعِ وَالتَّوَجُّهِ حَالَ قِرَاءَةِ الْإِمَامِ لِلْقُرْآنِ غَيْرَ مُنْصِتٍ وَلَا مُسْتَمِعٍ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ تَالِيًا لِلْقُرْآنِ إلَّا عِنْدَ مَنْ يُجَوِّزُ تَخْصِيصَ مِثْلِ هَذَا الْعُمُومِ بِمِثْلِ هَذَا الْمَفْهُومِ أَعْنِي مَفْهُومَ قَوْلِهِ مِنْ الْقُرْآنِ، هَذَا هُوَ التَّحْقِيقُ فِي الْمَقَامِ. فَائِدَةٌ: قَدْ عَرَفْت مِمَّا سَلَفَ وُجُوبَ الْفَاتِحَةِ عَلَى كُلِّ إمَامٍ وَمَأْمُومٍ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ وَعَرَّفْنَاك أَنَّ تِلْكَ الْأَدِلَّةَ صَالِحَةٌ لِلِاحْتِجَاجِ بِهَا عَلَى أَنَّ قِرَاءَةَ الْفَاتِحَةِ مِنْ شُرُوطِ صِحَّةِ الصَّلَاةِ، فَمَنْ زَعَمَ أَنَّهَا تَصِحُّ صَلَاةٌ مِنْ الصَّلَوَاتِ أَوْ رَكْعَةٌ مِنْ الرَّكَعَاتِ بِدُونِ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ فَهُوَ مُحْتَاجٌ إلَى إقَامَةِ بُرْهَانٍ يُخَصِّصُ تِلْكَ الْأَدِلَّةِ
وَمِنْ هَهُنَا يَتَبَيَّنُ لَك ضَعْفُ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْجُمْهُورُ أَنَّ مَنْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ رَاكِعًا دَخَلَ مَعَهُ وَاعْتَدَّ بِتِلْكَ الرَّكْعَةِ وَإِنْ لَمْ يُدْرِكْ شَيْئًا مِنْ الْقِرَاءَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute