للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[نيل الأوطار]

الْأَوْسَطَ فَاطْمَئِنَّ وَافْرِشْ فَخِذَك ثُمَّ تَشَهَّدْ» الْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ الطُّمَأْنِينَةِ فِي جَمِيعِ الْأَرْكَانِ. كَمَا تَقَدَّمَ، وَقَدْ جَزَمَ كَثِيرٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ بِأَنَّ وَاجِبَاتِ الصَّلَاةِ هِيَ الْمَذْكُورَةُ فِي طَرِيقِ هَذَا الْحَدِيثِ، وَاسْتَدَلُّوا بِهِ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ مَا لَمْ يُذْكَرْ فِيهِ، قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: تَكَرَّرَ مِنْ الْفُقَهَاءِ الِاسْتِدْلَال بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى وُجُوبِ مَا ذُكِرَ فِيهِ وَعَدَمِ وُجُوبِ مَا لَمْ يُذْكَرْ فِيهِ فَأَمَّا وُجُوبُ مَا ذُكِرَ فِيهِ فَلِتَعَلُّقِ الْأَمْرِ بِهِ وَأَمَّا عَدَمُ وُجُوبِ غَيْرِهِ فَلَيْسَ ذَلِكَ بِمُجَرَّدِ كَوْنِ الْأَصْلِ عَدَمَ الْوُجُوبِ بَلْ لِأَمْرٍ زَائِدٍ عَلَى ذَلِكَ وَهُوَ أَنَّ الْمَوْضِعَ مَوْضِعُ تَعْلِيمٍ وَبَيَانٍ لِلْجَاهِلِ وَتَعْرِيفٍ لِوَاجِبَاتِ الصَّلَاةِ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي انْحِصَارَ الْوَاجِبَاتِ فِيمَا ذَكَرَ، وَيُقَوِّي مَرْتَبَةَ الْحَصْرِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَكَرَ مَا تَعَلَّقَتْ بِهِ الْإِسَاءَةُ مِنْ هَذَا الْمُصَلِّي وَمَا لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ إسَاءَتُهُ مِنْ وَاجِبَاتِ الصَّلَاةِ

وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَقْصُرْ الْمَقْصُودَ عَلَى مَا وَقَعَتْ بِهِ الْإِسَاءَةُ فَقَطْ. فَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَا فَكُلُّ مَوْضِعٍ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي وُجُوبِهِ وَكَانَ مَذْكُورًا فِي هَذَا الْحَدِيثِ فَلَنَا أَنْ نَتَمَسَّكَ بِهِ فِي وُجُوبِهِ، وَكُلُّ مَوْضِعٍ اخْتَلَفُوا فِي عَدَمِ وُجُوبِهِ وَلَمْ يَكُنْ مَذْكُورًا فِي هَذَا الْحَدِيثِ فَلَنَا أَنْ نَتَمَسَّكَ بِهِ فِي عَدَمِ وُجُوبِهِ لِكَوْنِهِ غَيْرَ مَذْكُورٍ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ كَوْنِهِ مَوْضِعَ تَعْلِيمٍ، ثُمَّ قَالَ: إلَّا أَنَّ عَلَى طَالِبِ التَّحْقِيقِ ثَلَاث وَظَائِفَ: أَحَدُهَا أَنْ يَجْمَعَ طُرُقَ الْحَدِيثِ وَيُحْصِيَ الْأُمُورَ الْمَذْكُورَةَ فِيهِ، وَيَأْخُذَ بِالزَّائِدِ فَالزَّائِدِ فَإِنَّ الْأَخْذَ بِالزَّائِدِ وَاجِبٌ

وَثَانِيهَا إذَا أَقَامَ دَلِيلًا عَلَى أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ إمَّا الْوُجُوبُ أَوْ عَدَمُ الْوُجُوبِ فَالْوَاجِبُ الْعَمَلُ بِهِ مَا لَمْ يُعَارِضْهُ مَا هُوَ أَقْوَى، وَهَذَا عِنْدَ النَّفْيِ يَجِبُ التَّحَرُّزُ فِيهِ أَكْثَرَ فَلْيَنْظُرْ عِنْدَ التَّعَارُضِ أَقْوَى الدَّلِيلَيْنِ يَعْمَلُ بِهِ قَالَ: وَعِنْدَنَا أَنَّهُ إذَا اُسْتُدِلَّ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ شَيْءٍ بِعَدَمِ ذِكْرِهِ فِي الْحَدِيثِ، وَجَاءَتْ صِيغَةُ الْأَمْرِ بِهِ فِي حَدِيثٍ آخَرَ فَالْمُقَدَّمُ صِيغَةُ الْأَمْرِ، وَإِنْ كَانَ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: الْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى عَدَمِ الْوُجُوبِ وَيَحْمِلُ صِيغَةَ الْأَمْرِ عَلَى النَّدْبِ، ثُمَّ ضَعَّفَهُ بِأَنَّهُ إنَّمَا يَتِمُّ إذَا كَانَ عَدَمُ الذِّكْرِ فِي الرِّوَايَةِ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الذِّكْرِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، فَإِنَّ عَدَمَ الذِّكْرِ إنَّمَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الْوُجُوبِ وَهُوَ غَيْرُ عَدَمِ الذِّكْرِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ فَيُقَدَّمُ مَا دَلَّ عَلَى الْوُجُوبِ لِأَنَّهُ إثْبَاتٌ لِزِيَادَةٍ يَتَعَيَّنُ الْعَمَلُ بِهَا اهـ.

وَالْوَظَائِفُ الَّتِي أَرْشَدَ إلَيْهَا قَدْ امْتَثَلْنَا رَسْمَهُ فِيهَا. فَجَعَلْنَا مِنْ طُرُقِ هَذَا الْحَدِيثِ فِي هَذَا الشَّرْحِ عِنْدَ الْكَلَامِ عَلَى مُفْرَدَاتِهِ مَا تَدْعُو الْحَاجَةُ إلَيْهِ وَتَظْهَرُ لِلِاخْتِلَافِ فِي أَلْفَاظِهِ مَزِيدَ فَائِدَةٍ وَعَمِلْنَا بِالزَّائِدِ فَالزَّائِدِ مِنْ أَلْفَاظِهِ فَوَجَدْنَا الْخَارِجَ عَمَّا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ حَدِيثُ الْبَابِ: الشَّهَادَتَيْنِ بَعْدَ الْوُضُوءِ. وَتَكْبِيرَ الِانْتِقَالِ. وَالتَّسْمِيعَ وَالْإِقَامَةَ. وَقِرَاءَةَ الْفَاتِحَةِ وَوَضْعَ الْيَدَيْنِ عَلَى الرُّكْبَتَيْنِ حَالَ الرُّكُوعِ. وَمَدَّ الظَّهْرِ. وَتَمْكِينِ السُّجُودِ. وَجِلْسَةَ الِاسْتِرَاحَةِ. وَفَرْشَ الْفَخِذِ. وَالتَّشَهُّدَ الْأَوْسَطَ. وَالْأَمْرَ بِالتَّحْمِيدِ وَالتَّكْبِيرِ وَالتَّهْلِيلِ وَالتَّمْجِيدِ عِنْدَ عَدَمِ اسْتِطَاعَةِ الْقِرَاءَةِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى جَمِيعِهَا إلَّا التَّشَهُّدَ الْأَوْسَطَ وَجِلْسَةَ الِاسْتِرَاحَةِ وَفَرْشَ الْفَخِذِ فَسَيَأْتِي الْكَلَامُ

<<  <  ج: ص:  >  >>