للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[نيل الأوطار]

الْيُسْرَى وَأَقْبَلَ بِصُدُورِ الْيُمْنَى عَلَى قِبْلَتِهِ» الْحَدِيثَ. وَبِحَدِيثِ عَائِشَةَ الْآتِي. وَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ بِهَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ وَبِحَدِيثَيْ الْبَابِ أَنَّ رُوَاتَهَا ذَكَرُوا هَذِهِ الصِّفَةَ لِجُلُوسِ التَّشَهُّدِ وَلَمْ يُقَيِّدُوهُ بِالْأَوَّلِ وَاقْتِصَارُهُمْ عَلَيْهَا مِنْ دُونِ تَعَرُّضٍ لِذِكْرِ غَيْرِهَا مُشْعِرٌ بِأَنَّهَا هِيَ الْهَيْئَةُ الْمَشْرُوعَةُ فِي التَّشَهُّدَيْنِ جَمِيعًا، وَلَوْ كَانَتْ مُخْتَصَّةً بِالْأَوَّلِ لَذَكَرُوا هَيْئَةَ التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ وَلَمْ يُهْمِلُوهُ لَا سِيَّمَا وَهُمْ بِصَدَدِ بَيَانِ صَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَتَعْلِيمِهِ لِمَنْ لَا يُحْسِنُ الصَّلَاةَ، فَعُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّ الْهَيْئَةَ شَامِلَةٌ لَهُمَا

وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: إنَّ هَذِهِ الْجِلْسَةَ الَّتِي ذَكَرَ هَيْئَتَهَا أَبُو حُمَيْدٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ هِيَ جِلْسَةُ التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ بِدَلِيلِ حَدِيثِهِ الْآتِي، فَإِنَّهُ وَصَفَ هَيْئَةَ الْجُلُوسِ الْأَوَّلِ بِهَذِهِ الصِّفَةِ ثُمَّ ذَكَرَ بَعْدَهَا هَيْئَةَ الْجُلُوسِ الْآخَرِ فَذَكَر فِيهَا التَّوَرُّكَ وَاقْتِصَارُهُ عَلَى بَعْضِ الْحَدِيثِ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ لَيْسَ بِمُنَافٍ لِمَا ثَبَتَ عَنْهُ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى لَا سِيَّمَا وَهِيَ ثَابِتَةٌ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ، وَلَا يُعَدُّ ذَلِكَ الِاقْتِصَارُ إهْمَالًا لِبَيَانِ هَيْئَةِ التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ فِي مَقَامِ التَّصَدِّي لِصِفَةِ جَمِيعِ الصَّلَاةِ، لِأَنَّهُ رُبَّمَا اقْتَصَرَ مِنْ ذَلِكَ عَلَى مَا تَدْعُو الْحَاجَةُ إلَيْهِ وَيُقَالُ فِي حَدِيثِ رِفَاعَةَ الْمَذْكُورِ هَهُنَا إنَّهُ مُبَيَّنٌ بِرِوَايَتِهِ الْمُتَقَدِّمَةِ فِي الْبَابِ الْأَوَّلِ

وَأَمَّا حَدِيثُ وَائِلٍ وَحَدِيثُ عَائِشَةَ فَقَدْ أَجَابَ عَنْهُمَا الْقَائِلُونَ بِمَشْرُوعِيَّةِ التَّوَرُّكِ فِي التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ بِأَنَّهُمَا مَحْمُولَانِ عَلَى التَّشَهُّدِ الْأَوْسَطِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ لِأَنَّهُمَا مُطْلَقَانِ عَنْ التَّقْيِيدِ بِأَحَدِ الْجُلُوسَيْنِ، وَحَدِيثُ أَبِي حُمَيْدٍ مُقَيَّدٌ، وَحَمْلُ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ وَاجِبٌ، وَلَا يَخْفَاكَ أَنَّهُ يُبْعِدُ هَذَا الْجَمْعُ مَا قَدَّمْنَا مِنْ أَنَّ مَقَامَ التَّصَدِّي لِبَيَانِ صِفَةِ صَلَاتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَأْبَى الِاقْتِصَارَ عَلَى ذِكْرِ هَيْئَةِ أَحَدِ التَّشَهُّدَيْنِ وَإِغْفَالِ الْآخَرِ مَعَ كَوْنِ صِفَتِهِ مُخَالِفَةً لِصِفَةِ الْمَذْكُورِ لَا سِيَّمَا حَدِيثُ عَائِشَةَ فَإِنَّهَا قَدْ تَعَرَّضَتْ فِيهِ لِبَيَانِ الذِّكْرِ الْمَشْرُوعِ فِي كُلِّ رَكْعَتَيْنِ وَعَقَّبَتْ ذَلِكَ بِذِكْرِ هَيْئَةِ الْجُلُوسِ، فَمِنْ الْبَعِيدِ أَنْ يُخَصَّ بِهَذِهِ الْهَيْئَةِ أَحَدُهُمَا وَيُهْمَلَ الْآخَرُ، وَلَكِنَّهُ يَلُوحُ مِنْ هَذَا أَنَّ مَشْرُوعِيَّةَ التَّوَرُّكِ فِي الْأَخِيرِ آكَدُ مِنْ مَشْرُوعِيَّةِ النَّصْبِ وَالْفَرْشِ، وَأَمَّا أَنَّهُ يَنْفِي مَشْرُوعِيَّةَ النَّصْبِ وَالْفَرْشِ فَلَا. وَإِنْ كَانَ حَقُّ حَمْلِ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ هُوَ ذَلِكَ لَكِنَّهُ مَنَعَ مِنْ الْمَصِيرِ إلَيْهِ مَا عَرَّفْنَاكَ. وَالتَّفْصِيلُ الَّذِي ذَهَبَ إلَيْهِ أَحْمَدُ يَرُدُّهُ قَوْلُ أَبِي حُمَيْدٍ فِي حَدِيثِهِ الْآتِي «فَإِذَا جَلَسَ فِي الرَّكْعَةِ الْأَخِيرَةِ» .

وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُد حَتَّى «إذَا كَانَتْ السَّجْدَةُ الَّتِي فِيهَا التَّسْلِيمُ»

وَقَدْ اعْتَذَرَ ابْنُ الْقَيِّمِ عَنْ ذَلِكَ بِمَا لَا طَائِلَ تَحْتَهُ وَقَدْ ذَكَرَهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ الزُّبَيْرِ صِفَةً ثَالِثَةً لِجُلُوسِ التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ وَهِيَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كَانَ يَجْعَلُ قَدَمَهُ الْيُسْرَى بَيْنَ فَخِذِهِ وَسَاقِهِ وَيَفْرِشُ قَدَمَهُ الْيُمْنَى» وَاخْتَارَ هَذِهِ الصِّفَةَ أَبُو الْقَاسِمِ الْخِرَقِيِّ فِي مُصَنَّفِهِ وَلَعَلَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَفْعَلُ هَذَا تَارَةً. وَقَدْ وَقَعَ الْخِلَافُ فِي الْجُلُوسِ لِلتَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ، هَلْ هُوَ وَاجِبٌ أَمْ لَا؟ فَقَالَ بِالْوُجُوبِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَأَبُو مَسْعُودٍ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ. وَمِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ الْهَادِي وَالْقَاسِمُ وَالنَّاصِرُ وَالْمُؤَيَّدُ بِاَللَّهِ وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>