للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٧٧٥ - (وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُعَلِّمُنَا التَّشَهُّدَ كَمَا يُعَلِّمُنَا السُّورَةَ مِنْ الْقُرْآنِ فَكَانَ يَقُولُ: التَّحِيَّاتُ الْمُبَارَكَاتُ الصَّلَوَاتُ الطَّيِّبَاتُ لِلَّهِ السَّلَامُ عَلَيْك أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَا رَسُولُ اللَّهِ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد بِهَذَا اللَّفْظِ. وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ كَذَلِكَ لَكِنَّهُ ذَكَرَ السَّلَامَ مُنْكَرًا، وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ كَمُسْلِمٍ لَكِنَّهُ قَالَ: «وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ» . وَرَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ بِتَنْكِيرِ السَّلَامِ وَقَالَا فِيهِ: وَأَنَّ مُحَمَّدًا، وَلَمْ يَذْكُرَا أَشْهَدُ، وَالْبَاقِي كَمُسْلِمٍ. وَرَوَاهُ أَحْمَدُ مِنْ طَرِيقٍ آخَرَ كَذَلِكَ لَكِنْ بِتَعْرِيفِ السَّلَامِ وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ كَمُسْلِمٍ لَكِنَّهُ نَكَّرَ السَّلَامَ وَقَالَ: وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ)

ــ

[نيل الأوطار]

قَوْلُهُ: (ثُمَّ يَتَخَيَّرُ مِنْ الْمَسْأَلَةِ) قَدْ قَدَّمْنَا فِي بَابِ الْأَمْرِ بِالتَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ اخْتِلَافُ الرِّوَايَاتِ فِي هَذِهِ الْكَلِمَةِ وَفِي ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ الدُّعَاءِ فِي الصَّلَاةِ قَبْلَ السَّلَامِ مِنْ أُمُورِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ مَا لَمْ يَكُنْ إثْمًا وَإِلَى ذَلِكَ ذَهَبَ الْجُمْهُورُ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَجُوزُ إلَّا بِالدَّعَوَاتِ الْمَأْثُورَةِ فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ. وَقَالَتْ الْهَادَوِيَّةُ: لَا يَجُوزُ مُطْلَقًا. وَالْحَدِيثُ وَغَيْرُهُ مِنْ الْأَدِلَّةِ الْمُتَكَاثِرَةِ الَّتِي فِيهَا الْإِذْنُ بِمُطْلَقِ الدُّعَاءِ وَمُقَيَّدِهِ تَرُدُّ عَلَيْهِمْ وَلَوْلَا مَا رَوَاهُ ابْنُ رَسْلَانَ عَنْ الْبَعْضِ مِنْ الْإِجْمَاعِ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ الدُّعَاءِ قَبْلَ السَّلَامِ لَكَانَ الْحَدِيثُ مُنْتَهَضًا لِلِاسْتِدْلَالِ بِهِ عَلَيْهِ لِأَنَّ التَّخْيِيرَ فِي آحَادِ الشَّيْءِ لَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِهِ كَمَا قَالَ ابْنُ رُشْدٍ، وَهُوَ الْمُتَقَرَّرُ فِي الْأُصُولِ عَلَى أَنَّهُ قَدْ ذَهَبَ إلَى الْوُجُوبِ أَهْلُ الظَّاهِرِ.

وَرُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَقَدْ اُسْتُدِلَّ بِقَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ: " إذَا قَعَدَ أَحَدُكُمْ فِي الصَّلَاةِ فَلْيَقُلْ " وَبِقَوْلِهِ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى " وَأَمَرَهُ أَنْ يُعَلِّمَهُ النَّاسَ " الْقَائِلُونَ بِوُجُوبِ التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ وَهُمْ عُمَرُ وَابْنُ عُمَرَ وَابْنُ مَسْعُودٍ وَالْهَادِي وَالْقَاسِمُ وَالشَّافِعِيُّ. وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَجُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ أَنَّ التَّشَهُّدَيْنِ سُنَّةٌ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ النَّاصِرُ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ - عَلَيْهِمْ السَّلَامُ - قَالَ: وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ الْقَوْلُ بِوُجُوبِ الْأَخِيرِ وَاسْتَدَلَّ الْقَائِلُونَ بِالْوُجُوبِ أَيْضًا بِقَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ: «كُنَّا نَقُولُ قَبْلَ أَنْ يُفْرَضَ عَلَيْنَا التَّشَهُّدُ: السَّلَامُ عَلَى عِبَادِ اللَّهِ» الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَصَحَّحَاهُ وَهُوَ مُشْعِرٌ بِفَرْضِيَّةِ التَّشَهُّدِ

وَأَجَابَ عَنْ ذَلِكَ الْقَائِلُونَ، بِعَدَمِ الْوُجُوبِ بِأَنَّ الْأَوَامِرَ الْمَذْكُورَةَ فِي الْحَدِيثِ لِلْإِرْشَادِ لِعَدَمِ ذِكْرِ التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ فِي حَدِيثِ الْمُسِيءِ، وَعَنْ قَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ بِأَنَّهُ تَفَرَّدَ بِهِ ابْنُ عُيَيْنَةَ كَمَا قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَلَكِنَّ هَذَا لَا يُعَدُّ قَادِحًا، وَأَنَّ الِاعْتِذَارَ بِعَدَمِ الذِّكْرِ فِي حَدِيثِ الْمُسِيءِ فَصَحِيحٌ إلَّا أَنْ يُعْلَمَ تَأْخِيرُ الْأَمْرِ بِالتَّشَهُّدِ عَنْهُ كَمَا قَدَّمْنَا. وَأَمَّا الِاعْتِذَارُ عَنْ الْوُجُوبِ بِأَنَّ الْأَمْرَ الْمَذْكُورَ صَرْفٌ لَهُمْ عَمَّا كَانُوا يَقُولُونَ مِنْ تِلْقَاءِ أَنْفُسِهِمْ، فَلَا يَدُلُّ عَلَى الْوُجُوبِ، أَوْ بِأَنَّ قَوْلَ ابْنِ عَبَّاسٍ " كَمَا يُعَلِّمُنَا السُّورَةَ " يُرْشِدُ إلَى الْإِرْشَادِ لِأَنَّ تَعْلِيمَ السُّورَةِ غَيْرُ وَاجِبٍ فَمِمَّا لَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ وَمِنْ جُمْلَةِ مَا اسْتَدَلَّ بِهِ الْقَائِلُونَ بِعَدَمِ الْوُجُوبِ مَا ثَبَتَ فِي بَعْضِ رِوَايَاتِ حَدِيثِ الْمُسِيءِ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " فَإِذَا فَعَلْتَ هَذَا فَقَدْ تَمَّتْ صَلَاتُك " وَيَتَوَجَّهُ عَلَى الْقَائِلِينَ بِالْوُجُوبِ إيجَابُ جَمِيعِ التَّشَهُّدِ وَعَدَمُ التَّخْصِيصِ بِالشَّهَادَتَيْنِ كَمَا قَالَتْ الْهَادَوِيَّةُ بِنَفْسِ الدَّلِيلِ الَّذِي اسْتَدَلُّوا بِهِ عَلَى ذَلِكَ

وَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْأَفْضَلِ مِنْ التَّشَهُّدَاتِ، فَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَبَعْضُ أَصْحَابِ مَالِكٍ إلَى أَنَّ تَشَهُّدَ ابْنِ عَبَّاسٍ أَفْضَلُ لِزِيَادَةِ لَفْظِ " الْمُبَارَكَاتُ " فِيهِ كَمَا يَأْتِي. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ وَجُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ وَأَهْلُ الْحَدِيثِ: تَشَهُّدُ ابْنِ مَسْعُودٍ أَفْضَلُ لِمَا قَدَّمْنَا مِنْ الْمُرَجِّحَاتِ. وَقَالَ مَالِكٌ: تَشَهُّدُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَفْضَلُ لِأَنَّهُ عَلَّمَهُ النَّاسَ عَلَى الْمِنْبَرِ وَلَمْ يُنَازِعْهُ أَحَدٌ، وَلَفْظُهُ: " التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ وَالزَّاكِيَاتُ الطَّيِّبَاتُ الصَّلَوَاتُ لِلَّهِ الْحَدِيثَ وَفِي

<<  <  ج: ص:  >  >>