. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[نيل الأوطار]
فَكَيْف الصَّلَاةُ) فِيهِ أَنَّهُ يُنْدَبُ لِمَنْ أُشْكِلَ عَلَيْهِ كَيْفِيَّةُ مَا فُهِمَ جُمْلَتُهُ أَنْ يَسْأَلَ عَنْهُ مَنْ لَهُ بِهِ عِلْمٌ. قَوْلُهُ: (قُولُوا) اسْتَدَلَّ بِهِ الْقَائِلُونَ بِوُجُوبِ الصَّلَاةِ فِي الصَّلَاةِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْبَحْثُ عَنْ ذَلِكَ. قَوْلُهُ: (وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ) فِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُد " وَآلِ مُحَمَّدٍ " بِحَذْفِ عَلَى وَسَائِرُ الرِّوَايَاتِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَغَيْرِهِ بِإِثْبَاتِهَا، وَقَدْ ذَهَبَ الْبَعْضُ إلَى وُجُوبِ زِيَادَتِهَا. قَوْلُهُ: (كَمَا صَلَّيْت عَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ) هُمْ إسْمَاعِيلُ وَإِسْحَاقُ وَأَوْلَادُهُمَا وَقَدْ جَمَعَ اللَّهُ لَهُمْ الرَّحْمَةَ وَالْبَرَكَةَ بِقَوْلِهِ: {رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ} [هود: ٧٣] وَلَمْ يُجْمَعَا لِغَيْرِهِمْ فَسَأَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إعْطَاءَ مَا تَضَمَّنَتْهُ الْآيَةُ وَاسْتَشْكَلَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ التَّشْبِيهَ لِلصَّلَاةِ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالصَّلَاةِ عَلَى إبْرَاهِيمَ كَمَا فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ، أَوْ عَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ كَمَا فِي الْبَعْضِ الْآخَرِ مَعَ أَنَّ الْمُشَبَّهَ دُونَ الْمُشَبَّهِ بِهِ فِي الْغَالِبِ، وَهُوَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَفْضَلُ مِنْ إبْرَاهِيمَ وَآلِهِ
وَأُجِيبُ عَنْ ذَلِكَ بِأَجْوِبَةٍ: مِنْهَا أَنَّ الْمُشَبَّهَ مَجْمُوعُ الصَّلَاةِ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ بِمَجْمُوعِ الصَّلَاةِ عَلَى إبْرَاهِيمَ وَآلِهِ وَفِي آلِ إبْرَاهِيمَ مُعْظَمُ الْأَنْبِيَاءِ فَالْمُشَبَّهُ بِهِ أَقْوَى مِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ. وَمِنْهَا أَنَّ التَّشْبِيهَ وَقَعَ لِأَصْلِ الصَّلَاةِ بِأَصْلِ الصَّلَاةِ لَا لِلْقَدْرِ بِالْقَدْرِ وَمِنْهَا أَنَّ التَّشْبِيهَ وَقَعَ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْآلِ لَا عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ خِلَافُ الظَّاهِرِ. وَمِنْهَا أَنَّ الصَّلَاةَ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِاعْتِبَارِ تَكَرُّرِهَا مِنْ كُلِّ فَرْدٍ تَصِيرُ بِاعْتِبَارِ مَجْمُوعِ الْأَفْرَادِ أَعْظَمَ وَأَوْفَرَ وَإِنْ كَانَتْ بِاعْتِبَارِ الْفَرْدِ مُتَسَاوِيَةً أَوْ نَاقِصَةً، وَفِيهِ أَنَّ التَّشْبِيهَ حَاصِلٌ فِي صَلَاةِ كُلِّ فَرْدٍ، فَالصَّلَاةُ مِنْ الْمَجْمُوعِ مَأْخُوذٌ فِيهَا ذَلِكَ فَلَا يَتَحَقَّقُ كَوْنُهَا أَعْظَمَ وَأَوْفَرَ
وَمِنْهَا أَنَّ الصَّلَاةَ عَلَيْهِ كَانَتْ ثَابِتَةٌ لَهُ، وَالسُّؤَالُ إنَّمَا هُوَ بِاعْتِبَارِ الزَّائِدِ عَلَى الْقَدْرِ الثَّابِتِ، وَبِانْضِمَامِ ذَلِكَ الزَّائِدِ الْمُسَاوِي أَوْ النَّاقِصِ إلَى مَا قَدْ ثَبَتَ تَصِيرُ أَعْظَمَ قَدْرًا. وَمِنْهَا أَنَّ التَّشْبِيهَ غَيْرُ مَنْظُورٍ فِيهِ إلَى جَانِبِ زِيَادَةٍ أَوْ نَقْصٍ، وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ أَنَّ لِهَذِهِ الصَّلَاةِ نَوْعُ تَعْظِيمٍ وَإِجْلَالٍ كَمَا فُعِلَ فِي حَقِّ إبْرَاهِيمَ وَتَقَرَّرَ وَاشْتَهَرَ مِنْ تَعْظِيمِهِ وَتَشْرِيفِهِ، وَهُوَ خِلَافُ الظَّاهِرِ، وَمِنْهَا أَنَّ الْغَرَضَ مِنْ التَّشْبِيهِ قَدْ يَكُونُ لِبَيَانِ حَالِ الْمُشَبَّهِ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إلَى قُوَّةِ الْمُشَبَّهِ بِهِ وَهُوَ قَلِيلٌ لَا يُحْمَلُ عَلَيْهِ إلَّا لِقَرِينَةٍ
وَمِنْهَا أَنَّ التَّشْبِيهَ لَا يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الْمُشَبَّهُ دُونَ الْمُشَبَّهِ بِهِ عَلَى جِهَةِ اللُّزُومِ كَمَا صَرَّحَ بِذَلِكَ جَمَاعَةٌ مِنْ عُلَمَاءِ الْبَيَانِ.
وَفِيهِ أَنَّهُ وَإِنْ لَمْ يَقْتَضِ ذَلِكَ نَادِرًا فَلَا شَكَّ أَنَّهُ غَالِبٌ. وَمِنْهَا أَنَّهُ كَانَ ذَلِكَ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَبْلَ أَنْ يُعْلِمَهُ أَنَّهُ أَفْضَلُ مِنْ إبْرَاهِيمَ. وَمِنْهَا أَنَّ مُرَادَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُتِمَّ النِّعْمَةَ عَلَيْهِ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى إبْرَاهِيمَ وَآلِهِ. وَمِنْهَا أَنَّ مُرَادَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَبْقَى لَهُ لِسَانُ صِدْقٍ فِي الْآخَرِينَ. وَمِنْهَا أَنَّهُ سَأَلَ أَنْ يَتَّخِذَهُ اللَّهُ خَلِيلًا كَإِبْرَاهِيمَ. وَمِنْهَا أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ جُمْلَةِ آلِ إبْرَاهِيمَ. وَكَذَلِكَ آلِهِ فَالْمُشَبَّهُ هُوَ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ بِالصَّلَاةِ عَلَى إبْرَاهِيمَ وَآلِهِ الَّذِي هُوَ مِنْ جُمْلَتِهِمْ فَلَا ضَيْرَ فِي ذَلِكَ. قَوْلُهُ: (إنَّك حَمِيدٌ) أَيْ مَحْمُودُ الْأَفْعَالِ مُسْتَحِقٌّ لِجَمِيعِ الْمَحَامِدِ لِمَا فِي الصِّيغَةِ مِنْ الْمُبَالَغَةِ وَهُوَ تَعْلِيلٌ لِطَلَبِ الصَّلَاةِ مِنْهُ، وَالْمَجِيدُ: الْمُتَّصِفُ بِالْمَجْدِ وَهُوَ كَمَالُ الشَّرَفِ وَالْكَرَمِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute