للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[نيل الأوطار]

{إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} [الأحزاب: ٣٣] لِأَنَّ مَا قَبْلَ الْآيَةِ وَبَعْدَهَا فِي الزَّوْجَاتِ فَأَشْعَرَ ذَلِكَ بِإِرَادَتِهِنَّ وَأَشْعَرَ تَذْكِيرُ الْمُخَاطَبِينَ بِهَا بِإِرَادَةِ غَيْرِهِنَّ. وَبَيَّنَ هَذَا الْحَدِيثُ وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ الْآتِي مَنْ هُمْ الْمُرَادُونَ بِالْآيَةِ وَبِسَائِرِ الْأَحَادِيثِ الَّتِي أُجْمِلَ فِيهَا الْآلُ وَلَكِنَّهُ يُشْكِلُ عَلَى هَذِهِ امْتِنَاعُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ إدْخَالِ أُمِّ سَلَمَةَ تَحْت الْكِسَاءِ بَعْدَ سُؤَالِهَا ذَلِكَ. وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِنْدَ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ مُشِيرًا إلَى عَلِيٍّ وَفَاطِمَةَ وَالْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ: «اللَّهُمَّ إنَّ هَؤُلَاءِ أَهْلُ بَيْتِي» بَعْدَ أَنْ جَلَّلَهُمْ بِالْكِسَاءِ. وَقِيلَ: إنَّ الْآلُ هُمْ الَّذِينَ حُرِّمَتْ عَلَيْهِمْ الصَّدَقَةُ وَهُمْ بَنُو هَاشِمٍ

وَمِنْ أَهْلِ هَذَا الْقَوْلِ الْإِمَامِ يَحْيَى. وَاسْتَدَلَّ الْقَائِلُ بِذَلِكَ بِأَنَّ زَيْدَ بْنَ أَرَقْمَ فَسَّرَ الْآلُ بِهِمْ وَبَيَّنَ أَنَّهُمْ الْ عَلِيٍّ وَآل جَعْفَرٍ وَآل عَقِيلٍ وَآل الْعَبَّاسِ كَمَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ، وَالصَّحَابِيُّ أَعْرَفُ بِمُرَادِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيَكُونُ تَفْسِيرُهُ قَرِينَةٌ عَلَى التَّعْيِينِ. وَقِيلَ: إنَّهُمْ بَنُو هَاشِمٍ وَبَنُو الْمُطَّلِبِ. وَإِلَى ذَلِكَ ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ، وَقِيلَ: فَاطِمَةُ وَعَلِيُّ وَالْحَسَنَانِ وَأَوْلَادُهُمْ. وَإِلَى ذَلِكَ ذَهَبَ جُمْهُورُ أَهْلِ الْبَيْتِ وَاسْتَدَلُّوا بِحَدِيثِ الْكِسَاءِ الثَّابِتِ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ. وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهِ: «اللَّهُمَّ إنَّ هَؤُلَاءِ أَهْلُ بَيْتِي» مُشِيرًا إلَيْهِمْ وَلَكِنَّهُ يُقَالُ: إنْ كَانَ هَذَا التَّرْتِيبُ يَدُلُّ عَلَى الْحَصْرِ بِاعْتِبَارِ الْمَقَامِ أَوْ غَيْرِهِ، فَغَايَةُ مَا فِيهِ إخْرَاجُ مَنْ عَدَاهُمْ بِمَفْهُومِهِ، وَالْأَحَادِيثُ الدَّالَّةُ عَلَى أَنَّهُمْ أَعَمُّ مِنْهُمْ كَمَا وَرَدَ فِي بَنِي هَاشِمٍ وَفِي الزَّوْجَاتِ مُخَصَّصَةٌ بِمَنْطُوقِهَا لِعُمُومِ هَذَا الْمَفْهُومِ

وَاقْتِصَارُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى تَعْيِينِ الْبَعْضِ عِنْدَ نُزُولِ الْآيَةِ لَا يُنَافِي إخْبَارَهُ بَعْدَ ذَلِكَ بِالزِّيَادَةِ لِأَنَّ الِاقْتِصَارَ رُبَّمَا كَانَ لِمَزِيَّةٍ لِلْبَعْضِ أَوْ قَبْلَ الْعِلْمِ بِأَنَّ الْآلُ أَعَمُّ مِنْ الْمُعَيَّنِينَ، ثُمَّ يُقَالُ إذَا كَانَتْ هَذِهِ الصِّيغَةِ تَقْتَضِي الْحَصْرَ فَمَا الدَّلِيلُ عَلَى دُخُولِ أَوْلَادِ الْمُجَلَّلِينَ بِالْكِسَاءِ فِي الْآلِ مَعَ أَنَّهُ مَفْهُومُ هَذَا الْحَصْرِ يُخْرِجهُمْ فَإِنْ كَانَ إدْخَالُهُمْ بِمُخَصِّصٍ وَهُوَ التَّفْسِيرُ بِالذُّرِّيَّةِ وَذُرِّيَّتُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هُمْ أَوْلَادُ فَاطِمَةَ فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ مُخَصِّصٍ وَمُخَصَّصٍ؟ وَقِيلَ: إنَّ الْآلُ هُمْ الْقَرَابَةُ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ وَإِلَى ذَلِكَ ذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ. وَقِيلَ: هُمْ الْأُمَّةُ جَمِيعًا، قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: وَهُوَ أَظْهَرُهَا قَالَ: وَهُوَ اخْتِيَارُ الْأَزْهَرِيِّ وَغَيْرِهِ مِنْ الْمُحَقِّقِينَ اهـ

وَإِلَيْهِ ذَهَبَ نَشْوَانُ الْحِمْيَرِيُّ إمَامُ اللُّغَةِ وَمِنْ شِعْرِهِ فِي ذَلِكَ:

آلُ النَّبِيِّ هُمْ أَتْبَاعُ مِلَّتِهِ ... مِنْ الْأَعَاجِمِ وَالسُّودَانِ وَالْعَرَبْ

لَوْ لَمْ يَكُنْ آلُهُ إلَّا قَرَابَتَهُ ... صَلَّى الْمُصَلِّي عَلَى الطَّاغِي أَبِي لَهَبْ

وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا قَوْلُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ مِنْ أَبْيَاتٍ:

وَانْصُرْ عَلَى آلِ الصَّلِيبِ وَعَابِدِيهِ الْيَوْمَ آلَكْ

وَالْمُرَادُ بِآلِ الصَّلِيبِ أَتْبَاعُهُ وَمِنْ الْأَدِلَّةِ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} [غافر: ٤٦] لِأَنَّ الْمُرَادَ بِآلِهِ: أَتْبَاعُهُ.

وَاحْتُجَّ لِهَذَا الْقَوْلِ بِمَا أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ «أَنَّ النَّبِيَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>