للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٧٨٨ - (وَعَنْ عُبَيْدِ بْنِ الْقَعْقَاعِ قَالَ: رَمَقَ رَجُلٌ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ يُصَلِّي، فَجَعَلَ يَقُولُ فِي صَلَاتِهِ: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي، وَوَسِّعْ لِي فِي دَارِي، وَبَارِكْ لِي فِيمَا رَزَقْتَنِي» . رَوَاهُ أَحْمَدُ)

ــ

[نيل الأوطار]

قَالَ الْحَافِظُ: فِيهِ إقْرَارٌ بِالْوَحْدَانِيَّةِ وَاسْتِجْلَابٌ لِلْمَغْفِرَةِ وَهُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلا اللَّهُ} [آل عمران: ١٣٥] فَأَثْنَى عَلَى الْمُسْتَغْفِرِينَ، وَفِي ضِمْنِ ثَنَائِهِ بِالِاسْتِغْفَارِ لَوَّحَ بِالْأَمْرِ بِهِ كَمَا قِيلَ إنَّ كُلَّ شَيْءٍ أَثْنَى اللَّهُ عَلَى فَاعِلِهِ فَهُوَ آمِرٌ بِهِ، وَكُلُّ شَيْءٍ ذَمَّ فَاعِلَهُ فَهُوَ نَاهٍ عَنْهُ. قَوْلُهُ: (مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدَك) قَالَ الطِّيبِيُّ: ذِكْرُ التَّنْكِيرِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَطْلُوبَ غُفْرَانٌ عَظِيمٌ لَا يُدْرَكُ كُنْهُهُ وَوَصْفُهُ بِكَوْنِهِ مِنْ عِنْدِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مُرِيدًا بِذَلِكَ التَّعْظِيمَ؛ لِأَنَّ الَّذِي يَكُونُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لَا يُحِيطُ بِهِ وَصْفٌ. وَقَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا الْإِشَارَةُ إلَى التَّوْحِيدِ الْمَذْكُورِ كَأَنَّهُ قَالَ: لَا يَفْعَلُ هَذَا إلَّا أَنْتَ فَافْعَلْهُ أَنْتَ.

وَالثَّانِي وَهُوَ أَحْسَنُ أَنَّهُ أَشَارَ إلَى طَلَبِ مَغْفِرَةٍ مُتَفَضَّلٍ بِهَا لَا يَقْتَضِيهَا سَبَبٌ مِنْ الْعَبْدِ مِنْ عَمَلٍ حَسَنٍ وَلَا غَيْرِهِ، وَبِهَذَا الثَّانِي جَزَمَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ. قَوْلُهُ: (إنَّك أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) قَالَ الْحَافِظُ: هُمَا صِفَتَانِ ذُكِرَتَا خَتْمًا لِلْكَلَامِ عَلَى جِهَةِ الْمُقَابَلَةِ لِمَا تَقَدَّمَ، فَالْغَفُورُ مُقَابِلٌ لِقَوْلِهِ اغْفِرْ لِي، وَالرَّحِيمُ مُقَابِلٌ لِقَوْلِهِ ارْحَمْنِي وَهِيَ مُقَابَلَةٌ مُرَتَّبَةٌ. وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ هَذَا الدُّعَاءِ فِي الصَّلَاةِ، وَلَمْ يُصَرِّحْ بِمَحَلِّهِ. قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: وَلَعَلَّ الْأَوْلَى أَنْ يَكُونَ فِي أَحَدِ مَوْطِنَيْنِ: السُّجُودِ أَوْ التَّشَهُّدِ لِأَنَّهُ أَمَرَ فِيهِمَا بِالدُّعَاءِ، وَقَدْ أَشَارَ الْبُخَارِيُّ إلَى مَحَلِّهِ فَأَوْرَدَهُ فِي بَابِ الدُّعَاءِ قَبْلَ السَّلَامِ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: فِي الْحَدِيثِ مِنْ الْفَوَائِدِ اسْتِحْبَابُ طَلَبِ التَّعْلِيمِ مِنْ الْعَالِمِ خُصُوصًا مَا فِي الدَّعَوَاتِ الْمَطْلُوبِ فِيهَا جَوَامِعُ الْكَلِمِ

٧٨٨ - (وَعَنْ عُبَيْدِ بْنِ الْقَعْقَاعِ قَالَ: رَمَقَ رَجُلٌ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ يُصَلِّي، فَجَعَلَ يَقُولُ فِي صَلَاتِهِ: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي، وَوَسِّعْ لِي فِي دَارِي، وَبَارِكْ لِي فِيمَا رَزَقْتَنِي» . رَوَاهُ أَحْمَدُ) . عُبَيْدُ بْنُ الْقَعْقَاعِ، وَيُقَالُ حُمَيْدٍ بْنُ الْقَعْقَاعِ لَا يُعْرَفُ حَالُهُ، وَالرَّاوِي عَنْهُ أَبُو مَسْعُودٍ الْجُرَيْرِيِّ لَا يُعْرَفُ حَالُهُ، وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى شُعْبَةَ. قَالَ ابْنُ حَجَرٍ فِي الْمَنْفَعَةِ: وَلَهُ شَاهِدٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي مُوسَى فِي الدُّعَاءِ لِلطَّبَرَانِيِّ وَأَبُو مَسْعُودٍ الْجُرَيْرِيِّ هُوَ سَعِيدُ بْنُ إيَاسٍ، ثِقَةٌ أَخْرَجَ لَهُ الْجَمَاعَةُ، فَلَا وَجْهَ لِقَوْلِ مَنْ قَالَ: لَا يُعْرَفُ حَالُهُ

وَالْحَدِيثُ فِيهِ مَشْرُوعِيَّةُ الدُّعَاءِ بِهَذِهِ الْكَلِمَاتِ فِي مُطْلَقِ الصَّلَاةِ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِمَحَلٍّ مِنْهَا مَخْصُوصٍ، وَجَهَالَةُ الرَّاوِي عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا تَضُرُّ؛ لِأَنَّ جَهَالَةَ الصَّحَابِيِّ مُغْتَفَرَةٌ، كَمَا ذَهَبَ إلَى ذَلِكَ الْجُمْهُورُ، وَدَلَّتْ عَلَيْهِ الْأَدِلَّةُ، وَقَدْ ذَكَرْت الْأَدِلَّةَ عَلَى ذَلِكَ فِي الرِّسَالَةِ الَّتِي سَمَّيْتهَا " الْقَوْلُ الْمَقْبُولُ فِي رَدِّ رِوَايَةِ الْمَجْهُولِ مِنْ غَيْرِ صَحَابَةِ الرَّسُولِ ". قَوْلُهُ: (رَمَقَ رَجُلٌ) الرَّمْقُ: اللَّحْظُ الْخَفِيفُ كَمَا فِي الْقَامُوسِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>