. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[نيل الأوطار]
عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ إلَّا تَسْلِيمَةٌ وَاحِدَةٌ، وَحَكَى الطَّحَاوِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ أَنَّهُ أَوْجَبَ التَّسْلِيمَتَيْنِ جَمِيعًا وَهِيَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ، وَبِهَا قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ مَالِكٍ، وَنَقَلَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ الظَّاهِرِ، وَإِلَى ذَلِكَ ذَهَبَتْ الْهَادَوِيَّةُ، وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى وُجُوبِ التَّسْلِيمَةِ أَوْ التَّسْلِيمَتَيْنِ أَوْ عَدَمِ ذَلِكَ فِي بَابِ كَوْنِ السَّلَامِ فَرْضًا، وَسَنَتَكَلَّمُ هَهُنَا فِي مُجَرَّدِ الْمَشْرُوعِيَّةِ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إلَى الْوُجُوبِ فَنَقُولُ: احْتَجَّ الْقَائِلُونَ بِمَشْرُوعِيَّةِ التَّسْلِيمَتَيْنِ بِالْأَحَادِيثِ الْمُتَقَدِّمَةِ
وَاحْتَجَّ الْقَائِلُونَ بِمَشْرُوعِيَّةِ الْوَاحِدَةِ فَقَطْ بِالْأَحَادِيثِ الَّتِي سَيَأْتِي ذِكْرُهَا فِي بَابِ مَنْ اجْتَزَأَ بِتَسْلِيمَةٍ وَاحْتَجَّ الْقَائِلُ بِمَشْرُوعِيَّةِ ثَلَاثٍ بِأَنَّ فِي ذَلِكَ جَمْعًا بَيْنَ الرِّوَايَاتِ، وَالْحَقُّ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْأَوَّلُونَ لِكَثْرَةِ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ بِالتَّسْلِيمَتَيْنِ وَصِحَّةِ بَعْضِهَا وَحُسْنِ بَعْضِهَا وَاشْتِمَالِهَا عَلَى الزِّيَادَةِ وَكَوْنِهَا مُثْبِتَةً، بِخِلَافِ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ بِالتَّسْلِيمَةِ الْوَاحِدَةِ، فَإِنَّهَا مَعَ قِلَّتِهَا ضَعِيفَةٌ لَا تَنْتَهِضُ لِلِاحْتِجَاجِ كَمَا سَتَعْرِفُ ذَلِكَ، وَلَوْ سَلِمَ انْتِهَاضُهَا لَمْ تَصْلُحْ لِمُعَارَضَةِ أَحَادِيثِ التَّسْلِيمَتَيْنِ لِمَا عَرَفْت مِنْ اشْتِمَالِهَا عَلَى الزِّيَادَةِ
، وَأَمَّا الْقَوْلُ بِمَشْرُوعِيَّةِ ثَلَاثٍ فَلَعَلَّ الْقَائِلَ بِهِ ظَنَّ أَنَّ التَّسْلِيمَةَ الْوَاحِدَةَ الْوَارِدَةَ فِي الْبَابِ الَّذِي سَيَأْتِي غَيْرُ التَّسْلِيمَتَيْنِ الْمَذْكُورَةُ فِي هَذَا الْبَابِ، فَجَمَعَ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ بِمَشْرُوعِيَّةِ الثَّلَاثِ وَهُوَ فَاسِدٌ. وَأَفْسَدَ مِنْهُ مَا رَوَاهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْبَعْضِ مِنْ أَنَّ الْمَشْرُوعَ وَاحِدَةٌ فِي الْمَسْجِدِ الصَّغِيرِ وَثِنْتَانِ فِي الْمَسْجِدِ الْكَبِيرِ
قَوْلُهُ: (عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ يَسَارِهِ) فِيهِ مَشْرُوعِيَّةُ أَنْ يَكُونَ التَّسْلِيمُ إلَى جِهَةِ الْيَمِينِ ثُمَّ إلَى جِهَةِ الْيَسَارِ. قَالَ النَّوَوِيُّ: لَوْ سَلَّمَ التَّسْلِيمَتَيْنِ عَنْ يَمِينِهِ أَوْ عَنْ يَسَارِهِ أَوْ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ، أَوْ الْأُولَى عَنْ يَسَارِهِ وَالثَّانِيَةُ عَنْ يَمِينِهِ صَحَّتْ صَلَاتُهُ وَحَصَلَتْ التَّسْلِيمَتَانِ وَلَكِنْ فَاتَتْهُ الْفَضِيلَةُ فِي كَيْفِيَّتِهِمَا
قَوْلُهُ: (السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ) زَادَ أَبُو دَاوُد مِنْ حَدِيثِ وَائِلٍ " وَبَرَكَاتُهُ ". وَأَخْرَجَهَا أَيْضًا ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَكَذَلِكَ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِهِ. قَالَ الْحَافِظُ: فِي التَّلْخِيصِ فَيُتَعَجَّبُ مِنْ ابْنِ الصَّلَاحِ حَيْثُ يَقُولُ: إنَّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ لَيْسَتْ فِي شَيْءٍ مِنْ كُتُبِ الْحَدِيثِ إلَّا فِي رِوَايَةِ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ، وَقَدْ ذَكَرَ لَهَا الْحَافِظُ طُرُقًا كَثِيرَةً فِي تَلْقِيحِ الْأَفْكَارِ تَخْرِيجِ الْأَذْكَارِ لَمَّا قَالَ النَّوَوِيُّ: إنَّ زِيَادَةَ " وَبَرَكَاتُهُ " رِوَايَةٌ فَرْدَةٌ ثُمَّ قَالَ الْحَافِظُ بَعْدَ أَنْ سَاقَ تِلْكَ الطُّرُقَ: فَهَذِهِ عِدَّةُ طُرُقٍ تَثْبُتُ بِهَا وَبَرَكَاتُهُ، بِخِلَافِ مَا يُوهِمُهُ كَلَامُ الشَّيْخِ إنَّهَا رِوَايَةٌ فَرْدَةٌ انْتَهَى وَقَدْ صَحَّحَ أَيْضًا فِي بُلُوغِ الْمَرَامِ حَدِيثَ وَائِلٍ الْمُشْتَمِلَ عَلَى تِلْكَ الزِّيَادَةِ. قَوْلُهُ: (حَتَّى يُرَى بَيَاضُ خَدِّهِ) بِضَمِّ الْيَاءِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ تَحْتِ مِنْ قَوْلِهِ يُرَى مَبْنِيًّا لِلْمَجْهُولِ، كَذَا قَالَ ابْنُ رَسْلَانَ، وَبَيَاضُ بِالرَّفْعِ عَلَى النِّيَابَةِ.
وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى الْمُبَالَغَةِ فِي الِالْتِفَاتِ إلَى جِهَةِ الْيَمِينِ وَإِلَى جِهَةِ الْيَسَارِ، وَزَادَ النَّسَائِيّ فَقَالَ: «عَنْ يَمِينِهِ حَتَّى يُرَى بَيَاضُ خَدِّهِ الْأَيْمَنِ، وَعَنْ يَسَارِهِ حَتَّى يُرَى بَيَاضُ خَدِّهِ الْأَيْسَرِ» وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ «حَتَّى يُرَى بَيَاضُ خَدِّهِ مِنْ هُنَا وَبَيَاضُ خَدِّهِ مِنْ هَهُنَا» .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute