للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[نيل الأوطار]

وَقَدْ وَثَّقَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ. وَلِحَدِيثِهِ هَذَا شَاهِدٌ وَلَكِنْ فِي إسْنَادِهِ عَمْرُو بْنُ عُبَيْدٍ وَلَيْسَ بِحُجَّةٍ

قَالَ الْحَافِظُ: وَيُعَكِّرُ عَلَى هَذَا مَا رَوَاهُ الْخَطِيبُ مِنْ طَرِيقِ قَيْسِ بْنِ الرَّبِيعِ عَنْ عَاصِمِ بْنِ سُلَيْمَانَ قُلْنَا لِأَنَسٍ إنَّ قَوْمًا مَا يَزْعُمُونَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَزَلْ يَقْنُتُ فِي الْفَجْرِ فَقَالَ: كَذَبُوا إنَّمَا قَنَتَ شَهْرًا وَاحِدًا يَدْعُو عَلَى حَيٍّ مِنْ أَحْيَاءِ الْمُشْرِكِينَ، وَقَيْسٌ وَإِنْ كَانَ ضَعِيفًا لَكِنَّهُ لَمْ يُتَّهَمْ بِالْكَذِبِ.

وَرَوَى ابْنُ خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَقْنُتْ إلَّا إذَا دَعَا لِقَوْمٍ أَوْ دَعَا عَلَى قَوْمٍ» فَاخْتَلَفَتْ الْأَحَادِيثُ عَنْ أَنَسٍ وَاضْطَرَبَتْ، فَلَا يَقُومُ لِمِثْلِ هَذَا حُجَّةٌ انْتَهَى

إذَا تَقَرَّرَ لَك هَذَا عَلِمْت أَنَّ الْحَقَّ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ مَنْ قَالَ: إنَّ الْقُنُوتَ مُخْتَصٌّ بِالنَّوَازِلِ وَإِنَّهُ يَنْبَغِي عِنْدَ نُزُولِ النَّازِلَةِ أَنْ لَا تُخَصَّ بِهِ صَلَاةٌ دُونَ صَلَاةٍ. وَقَدْ وَرَدَ مَا دَلَّ عَلَى هَذَا الِاخْتِصَاصِ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ عِنْدَ ابْنِ خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ، مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ ابْنِ حِبَّانَ بِلَفْظِ: «كَانَ لَا يَقْنُتُ إلَّا أَنْ يَدْعُوَ لِأَحَدٍ أَوْ يَدْعُوَ عَلَى أَحَدٍ» وَأَصْلُهُ فِي الْبُخَارِيِّ كَمَا سَيَأْتِي، وَسَتَعْرِفُ الْأَدِلَّةَ الدَّالَّةَ عَلَى تَرْكِ مُطْلَقِ الْقُنُوتِ وَمُقَيَّدِهِ وَقَدْ حَاوَلَ جَمَاعَةٌ مِنْ حُذَّاقِ الشَّافِعِيَّةِ الْجَمْعَ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ بِمَا لَا طَائِلَ تَحْتَهُ وَأَطَالُوا الِاسْتِدْلَالَ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ الْقُنُوتِ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ فِي غَيْر طَائِلٍ

وَحَاصِلُهُ مَا عَرَّفْنَاك، وَقَدْ طَوَّلَ الْمَبْحَثَ الْحَافِظُ ابْنُ الْقَيِّمِ فِي الْهَدْيِ وَقَالَ مَا مَعْنَاهُ: الْإِنْصَافُ الَّذِي يَرْتَضِيهِ الْعَالِمُ الْمُنْصِفُ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَنَتَ وَتَرَكَ وَكَانَ تَرْكُهُ لِلْقُنُوتِ أَكْثَرَ مِنْ فِعْلِهِ فَإِنَّهُ إنَّمَا قَنَتَ عِنْدَ النَّوَازِلِ لِلدُّعَاءِ لِقَوْمٍ وَلِلدُّعَاءِ عَلَى آخَرِينَ ثُمَّ تَرَكَهُ لَمَّا قَدِمَ مَنْ دَعَا لَهُمْ وَخَلَصُوا مِنْ الْأَسْرِ وَأَسْلَمَ مَنْ دَعَا عَلَيْهِمْ وَجَاءُوا تَائِبِينَ وَكَانَ قُنُوتُهُ لِعَارِضٍ فَلَمَّا زَالَ تَرَكَ الْقُنُوتَ وَقَالَ فِي غُضُونِ ذَلِكَ الْمَبْحَثِ: إنَّ أَحَادِيثَ أَنَسٍ كُلَّهَا صِحَاحٌ يُصَدِّقُ بَعْضُهَا بَعْضًا وَلَا تَتَنَاقَضُ وَحَمَلَ قَوْلَ أَنَسٍ مَا زَالَ يَقْنُتُ حَتَّى فَارَقَ الدُّنْيَا إلَى إطَالَةِ الْقِيَامِ بَعْدَ الرُّكُوعِ وَقَدْ أَسْلَفْنَا الْأَدِلَّةَ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ ذَلِكَ فِي بَابِ الْجِلْسَةِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ

وَأَجَابَ عَنْ تَخْصِيصِهِ بِالْفَجْرِ بِأَنَّهُ وَقَعَ بِحَسَبِ سُؤَالِ السَّائِلِ فَإِنَّهُ إنَّمَا سَأَلَ أَنَسًا عَنْ قُنُوتِ الْفَجْرِ فَأَجَابَهُ عَمَّا سَأَلَهُ عَنْهُ وَبِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُطِيلُ صَلَاةَ الْفَجْرِ دُونَ سَائِرِ الصَّلَوَاتِ قَالَ: وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ كَانَ يَدْعُو رَبَّهُ وَيُثْنِي عَلَيْهِ وَيُمَجِّدُهُ فِي هَذَا الِاعْتِدَالِ، وَهَذَا قُنُوتٌ مِنْهُ بِلَا رَيْبٍ فَنَحْنُ لَا نَشُكُّ وَلَا نَرْتَابُ أَنَّهُ لَمْ يَزَلْ يَقْنُتُ فِي الْفَجْرِ حَتَّى فَارَقَ الدُّنْيَا، وَلَمَّا صَارَ الْقُنُوتُ فِي لِسَانِ الْفُقَهَاءِ وَأَكْثَرِ النَّاسِ هُوَ هَذَا الدُّعَاءُ الْمَعْرُوفُ: " اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْت. . . إلَخْ " وَسَمِعُوا أَنَّهُ لَمْ يَزَلْ يَقْنُتُ فِي الْفَجْرِ حَتَّى فَارَقَ الدُّنْيَا وَكَذَلِكَ الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ وَغَيْرُهُمْ مِنْ الصَّحَابَةِ حَمَلُوا الْقُنُوتَ فِي لَفْظِ الصَّحَابَةِ عَلَى الْقُنُوتِ فِي اصْطِلَاحِهِمْ وَنَشَأَ مَنْ لَا يَعْرِفُ غَيْرَ ذَلِكَ فَلَمْ يَشُكَّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابَهُ كَانُوا مُدَاوِمِينَ عَلَى هَذَا كُلِّ غَدَاةٍ وَهَذَا هُوَ الَّذِي نَازَعَهُمْ فِيهِ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَقَالُوا: لَمْ يَكُنْ هَذَا مِنْ فِعْلِهِ الرَّاتِبِ بَلْ وَلَا يَثْبُتُ

<<  <  ج: ص:  >  >>