. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[نيل الأوطار]
قَالَ: وَمِمَّنْ قَالَ بِهَذَا الْقَوْلِ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُمْ. وَمِنْ حُجَّتِهِمْ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا نُصَلِّي صَلَاةً فِي يَوْمٍ مَرَّتَيْنِ» انْتَهَى. وَذَهَبَ الْأَوْزَاعِيُّ وَالْهَادِي وَبَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ الْقَدِيمِ إلَى أَنَّ الْفَرِيضَةَ الثَّانِيَةَ إذَا كَانَتْ الْأُولَى فُرَادَى.
وَاسْتَدَلُّوا بِمَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد عَنْ «يَزِيدَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: جِئْتُ وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الصَّلَاةِ فَجَلَسْت وَلَمْ أَدْخُلْ مَعَهُمْ فِي الصَّلَاةِ، فَانْصَرَفَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرَآهُ جَالِسًا، فَقَالَ: أَلَمْ تُسْلِمْ يَا يَزِيدُ؟ قَالَ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ أَسْلَمْت، قَالَ: فَمَا مَنَعَك أَنْ تَدْخُلَ مَعَ النَّاسِ فِي صَلَاتِهِمْ؟ قَالَ: إنِّي كُنْتُ قَدْ صَلَيْتُ فِي مَنْزِلِي وَأَنَا أَحْسَبُ أَنَّكُمْ قَدْ صَلَّيْتُمْ، فَقَالَ: إذَا جِئْت إلَى الصَّلَاةِ فَوَجَدْتَ النَّاسَ فَصَلِّ مَعَهُمْ، وَإِنْ كُنْتَ قَدْ صَلَيْتَ تَكُنْ لَك نَافِلَةً وَهَذِهِ مَكْتُوبَةٌ» وَلَكِنَّهُ ضَعَّفَهُ النَّوَوِيُّ، وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: إنَّ حَدِيثَ يَزِيدَ بْنِ الْأَسْوَدِ أَثْبَتُ مِنْهُ وَأَوْلَى. وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ بِلَفْظِ «وَلْيَجْعَلْ الَّتِي صَلَّى فِي بَيْتِهِ نَافِلَةً» وَقَالَ: هِيَ رِوَايَةٌ ضَعِيفَةٌ شَاذَّةٌ. انْتَهَى. وَعَلَى فَرْضِ صَلَاحِيَةِ حَدِيثِ يَزِيدَ بْنِ عَامِرٍ لِلِاحْتِجَاجِ بِهِ فَالْجَمْعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ حَدِيثِ الْبَابِ مُمْكِنٌ بِحَمْلِ حَدِيثِ الْبَابِ عَلَى مَنْ صَلَّى الصَّلَاةَ الْأُولَى فِي جَمَاعَةٍ، وَحَمْل هَذَا عَلَى مَنْ صَلَّى مُنْفَرِدًا كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنْ سِيَاقِ الْحَدِيثَيْنِ وَيَكُونَانِ مُخَصِّصَيْنِ لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ عِنْدَ أَبِي دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَابْنِ خُزَيْمَةَ وَابْنِ حِبَّانَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «لَا تُصَلُّوا صَلَاةً فِي يَوْمٍ مَرَّتَيْنِ» عَلَى فَرْضِ شُمُولِهِ لِإِعَادَةِ الْفَرِيضَةِ مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ بَيْن أَنْ تَكُونَ الْإِعَادَةُ بِنِيَّةِ الِافْتِرَاضِ أَوْ التَّطَوُّعِ.
وَأَمَّا إذَا كَانَ النَّهْيُ مُخْتَصًّا بِإِعَادَةِ الْفَرِيضَةِ بِنِيَّةِ الِافْتِرَاضِ فَقَطْ فَلَا يُحْتَاجُ إلَى الْجَمْعِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ حَدِيثِ الْبَابِ. وَمِنْ جُمْلَةِ الْمُخَصِّصَاتِ لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ الْمَذْكُورِ حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: «صَلَّى لَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَدَخَلَ رَجُلٌ فَقَامَ يُصَلِّي الظُّهْرَ، فَقَالَ: أَلَا رَجُلٌ يَتَصَدَّقُ عَلَى هَذَا فَيُصَلِّيَ مَعَهُ؟» أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَابْنُ حِبَّانَ وَالْبَيْهَقِيُّ.
وَحَدِيثُ الْبَابِ يَدُلُّ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ الدُّخُولِ مَعَ الْجَمَاعَةِ بِنِيَّةِ التَّطَوُّعِ لِمَنْ كَانَ قَدْ صَلَّى تِلْكَ الصَّلَاةَ وَإِنْ كَانَ الْوَقْتُ وَقْتَ كَرَاهَةٍ لِلتَّصْرِيحِ بِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ. وَإِلَى ذَلِكَ ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ فَيَكُونُ هَذَا مُخَصِّصًا لِعُمُومِ الْأَحَادِيثِ الْقَاضِيَةِ بِكَرَاهَةِ الصَّلَاةِ بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ، وَمَنْ جَوَّزَ التَّخْصِيصَ بِالْقِيَاسِ أَلْحَقَ بِهِ مَا سِوَاهُ مِنْ أَوْقَاتِ الْكَرَاهَةِ.
وَظَاهِرُ التَّقْيِيدِ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " ثُمَّ أَتَيْتُمَا مَسْجِدَ جَمَاعَةٍ " أَنَّ ذَلِكَ مُخْتَصٌّ بِالْجَمَاعَاتِ الَّتِي تُقَامُ فِي الْمَسَاجِدِ لَا الَّتِي تُقَامُ فِي غَيْرِهَا، فَيُحْمَلُ الْمُطْلَقُ مِنْ أَلْفَاظِ حَدِيثِ الْبَابِ كَلَفْظِ دَاوُد وَابْنِ حِبَّانَ عَلَى الْمُقَيَّدِ بِمَسْجِدِ الْجَمَاعَةِ.
وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ مَا أَخْرَجَهُ دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ مَوْلَى مَيْمُونَةَ قَالَ: " رَأَيْت ابْنَ عُمَرَ جَالِسًا عَلَى الْبَلَاطِ وَهُوَ مَوْضِعُ مَفْرُوشٌ بِالْبَلَاطِ بَيْن الْمَسْجِدِ وَالسُّوق بِالْمَدِينَةِ وَهُمْ يُصَلُّونَ، فَقُلْت: أَلَا تُصَلِّي مَعَهُمْ؟ فَقَالَ: قَدْ صَلَيْتُ إنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute