. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[نيل الأوطار]
هُوَ أَخَصُّ مِنْ قَوْلِهِ فِي حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ " إذَا أَتَيْتُمُ الصَّلَاةَ " لَكِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ فِي مَفْهُومِ الْمُوَافَقَةِ، وَأَيْضًا سَامِعُ الْإِقَامَةِ لَا يَحْتَاجُ إلَى الْإِسْرَاعِ؛ لِأَنَّهُ يَتَحَقَّقُ إدْرَاكُ الصَّلَاةِ كُلِّهَا فَيَنْتَهِي عَنْ الْإِسْرَاعِ مِنْ بَابِ الْأَوْلَى. وَقَدْ لَحَظَ بَعْضُهُمْ مَعْنًى غَيْرَ هَذَا فَقَالَ: الْحِكْمَةُ فِي التَّقْيِيدِ بِالْإِقَالَةِ أَنَّ الْمُسْرِعَ إذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ يَصِلُ إلَيْهَا فَيَقْرَأُ فِي تِلْكَ الْحَالِ فَلَا يَحْصُلُ تَمَامُ الْخُشُوعِ فِي التَّرْتِيلِ وَغَيْرِهِ، بِخِلَافِ مَنْ جَاءَ قَبْلَ ذَلِكَ فَإِنَّ الصَّلَاةَ قَدْ لَا تُقَامُ حَتَّى يَسْتَرِيحَ.
وَفِيهِ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ الْإِسْرَاعُ لِمَنْ جَاءَ قَبْل الْإِقَامَةِ.
وَهُوَ مُخَالِفٌ لِصَرِيحِ قَوْلِهِ: " إذَا أَتَيْتُمُ الصَّلَاةَ "؛ لِأَنَّهُ يَتَنَاوَلُ مَا قَبْلَ الْإِقَامَةِ، وَإِنَّمَا قَيَّدَ الْحَدِيثُ الثَّانِي بِإِقَامَةٍ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْحَامِلُ فِي الْغَالِبِ عَلَى الْإِسْرَاعِ. قَوْلُهُ: (وَالْوَقَارَ) قَالَ عِيَاضٌ وَالْقُرْطُبِيُّ: هُوَ بِمَعْنَى السَّكِينَةِ وَذُكِرَ عَلَى سَبِيلِ التَّأْكِيدِ. وَقَالَ النَّوَوِيُّ: الظَّاهِرُ أَنَّ بَيْنَهُمَا فَرْقًا وَأَنَّ السَّكِينَةَ: التَّأَنِّي فِي الْحَرَكَاتِ وَاجْتِنَابِ الْعَبَثِ. وَالْوَقَارِ فِي الْهَيْئَةِ بِغَضِّ الْبَصَرِ وَخَفْضِ الصَّوْتِ وَعَدَمِ الِالْتِفَاتِ.
قَوْلُهُ: (وَلَا تُسْرِعُوا) فِيهِ زِيَادَةُ تَأْكِيدٍ فَيُسْتَفَادُ مِنْهُ الرَّدُّ عَلَى مَنْ أَوَّلَ قَوْلَهُ فِي حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ " فَلَا تَفْعَلُوا " بِالِاسْتِعْجَالِ الْمُفْضِي إلَى عَدَمِ الْوَقَارِ، وَأَمَّا الْإِسْرَاعُ الَّذِي لَا يُنَافِي الْوَقَارَ لِمَنْ خَافَ فَوْتَ التَّكْبِيرَةِ فَلَا، كَذَا رُوِيَ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ. وَالْحَدِيثَانِ يَدُلَّانِ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ الْمَشْيِ إلَى الصَّلَاةِ عَلَى سَكِينَةٍ وَوَقَارٍ وَكَرَاهِيَةِ الْإِسْرَاعِ وَالسَّعْيِ.
وَالْحِكْمَةُ فِي ذَلِكَ مَا نُبِّهَ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا وَقَعَ عِنْدَ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ: «فَإِنَّ أَحَدَكُمْ إذَا كَانَ يَعْمِدُ إلَى الصَّلَاةِ فَهُوَ فِي صَلَاةٍ» أَيْ أَنَّهُ فِي حُكْمِ الْمُصَلِّي فَيَنْبَغِي لَهُ اعْتِمَادُ مَا يَنْبَغِي لِلْمُصَلِّي اعْتِمَادُهُ وَاجْتِنَابُ مَا يَنْبَغِي لِلْمُصَلِّي اجْتِنَابُهُ. وَقَدْ اُسْتُدِلَّ بِحَدِيثَيْ الْبَابِ أَيْضًا عَلَى أَنَّ مَنْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ رَاكِعًا لَمْ تُحْسَبْ لَهُ تِلْكَ الرَّكْعَةُ لِلْأَمْرِ بِإِتْمَامِ مَا فَاتَهُ؛ لِأَنَّهُ فَاتَهُ الْقِيَامُ وَالْقِرَاءَةُ فِيهِ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَجَمَاعَةٍ، بَلْ حَكَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي جُزْءِ الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ، عَنْ كُلِّ مَنْ ذَهَبَ إلَى وُجُوبِ الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ وَالضَّبْعِيُّ وَغَيْرُهُمَا مِنْ الشَّافِعِيَّةِ.
وَقَوَّاهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ السُّبْكِيُّ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ. وَقَدْ قَدَّمْنَا الْبَحْثَ عَنْ هَذَا فِي بَابِ مَا جَاءَ فِي قِرَاءَةِ الْمَأْمُومِ وَإِنْصَاتِهِ إذَا سَمِعَ إمَامَهُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بَعْدَ أَنْ سَاقَ الْحَدِيثَيْنِ مَا لَفْظُهُ: وَفِيهِ حُجَّةٌ لِمَنْ قَالَ: إنَّ مَا أَدْرَكَهُ الْمَسْبُوقُ آخِرَ صَلَاتِهِ، وَاحْتَجَّ مَنْ قَالَ بِخِلَافِهِ بِلَفْظَةِ الْإِتْمَامِ. انْتَهَى. وَقَدْ عَرَفْت الْجَمْعَ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ. .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute