للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَابُ وُجُوبِ مُتَابَعَةِ الْإِمَامِ وَالنَّهْيِ عَنْ مُسَابَقَتِهِ

١٠٥١ - (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ فَلَا تَخْتَلِفُوا عَلَيْهِ، فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا، وَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا، وَإِذَا قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، فَقُولُوا: اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ، وَإِذَا سَجَدَ فَاسْجُدُوا، وَإِذَا صَلَّى قَاعِدًا فَصَلُّوا قُعُودًا أَجْمَعُونَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

وَفِي لَفْظِ: «إنَّمَا الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا وَلَا تُكَبِّرُوا حَتَّى يُكَبِّرَ، وَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا، وَلَا تَرْكَعُوا حَتَّى يَرْكَعَ، وَإِذَا سَجَدَ فَاسْجُدُوا، وَلَا تَسْجُدُوا حَتَّى يَسْجُدَ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد)

ــ

[نيل الأوطار]

الَّتِي ذَكَرْنَاهَا مِنْ حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ، أَعْنِي قَوْلَهُ: " فَظَنَنَّا أَنَّهُ يُرِيدُ بِذَلِكَ أَنْ يُدْرِكَ النَّاسُ الرَّكْعَةَ الْأُولَى ". وَاسْتَدَلُّوا أَيْضًا بِحَدِيثِ ابْنِ أَبِي أَوْفَى الْمَذْكُورِ فِي الْبَابِ.

وَقَدْ حَكَى اسْتِحْبَابَ ذَلِكَ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ الشَّعْبِيِّ وَالنَّخَعِيِّ وَأَبِي مِجْلَزٍ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى مِنْ التَّابِعِينَ. وَقَدْ نَقَلَ الِاسْتِحْبَابَ أَبُو الطَّيِّبِ الطَّبَرِيُّ عَنْ الشَّافِعِيِّ فِي الْجَدِيدِ.

وَفِي التَّجْرِيدِ لِلْمَحَامِلِيِّ نِسْبَةُ ذَلِكَ إلَى الْقَدِيمِ وَأَنَّ الْجَدِيدَ كَرَاهَتُهُ. وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَأَبُو يُوسُفَ وَدَاوُد وَالْهَادَوِيَّةُ إلَى كَرَاهَةِ الِانْتِظَارِ، وَاسْتَحْسَنَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ، وَشَدَّدَ فِي ذَلِكَ بَعْضُهُمْ وَقَالَ: أَخَافُ أَنْ يَكُونَ شِرْكًا، وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ، وَبَالَغَ بَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ فَقَالَ: إنَّهُ مُبْطِلٌ لِلصَّلَاةِ.

وَقَالَ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ فِيمَا حَكَاهُ عَنْهُمَا ابْنُ بَطَّالٍ: إنْ كَانَ الِانْتِظَارُ لَا يَضُرُّ بِالْمَأْمُومِينَ جَازَ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا يَضُرُّ فَفِيهِ الْخِلَافُ. وَقِيلَ: إنْ كَانَ الدَّاخِلُ مِمَّنْ يُلَازِمُ الْجَمَاعَةَ انْتَظَرَهُ الْإِمَامُ وَإِلَّا فَلَا، رَوَى ذَلِكَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ السَّلَفِ. وَقَدْ اسْتَدَلَّ الْخَطَّابِيِّ فِي الْمَعَالِمِ عَلَى الِانْتِظَارِ الْمَذْكُورِ بِحَدِيثِ أَنَسٍ الْمُتَقَدِّمِ فِي الْبَابِ الْأَوَّلِ فِي التَّخْفِيفِ عِنْدَ سَمَاعِ بُكَاءِ الصَّبِيِّ فَقَالَ: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْإِمَامَ وَهُوَ رَاكِعٌ إذَا أَحَسَّ بِدَاخِلٍ يُرِيدُ الصَّلَاةَ مَعَهُ كَانَ لَهُ أَنْ يَنْتَظِرَهُ رَاكِعًا لِيُدْرِكَ فَضِيلَةَ الرَّكْعَةِ فِي الْجَمَاعَةِ، لِأَنَّهُ إذَا كَانَ لَهُ أَنْ يَحْذِفَ مِنْ طُولِ الصَّلَاةِ لِحَاجَةِ إنْسَانٍ فِي بَعْضِ أُمُورِ الدُّنْيَا كَانَ لَهُ أَنْ يَزِيدَ فِيهَا لِعِبَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى، بَلْ هُوَ أَحَقُّ بِذَلِكَ وَأَوْلَى، وَكَذَلِكَ قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ.

وَتَعَقَّبَهُمَا ابْنُ الْمُنِيرِ وَالْقُرْطُبِيُّ: بِأَنَّ التَّخْفِيفَ يُنَافِي التَّطْوِيلَ فَكَيْفَ يُقَاسُ عَلَيْهِ؟ قَالَ ابْنُ الْمُنِيرِ: وَفِيهِ مُغَايَرَةٌ لِلْمَطْلُوبِ؛ لِأَنَّ فِيهِ إدْخَالَ مَشَقَّةٍ عَلَى جَمَاعَةٍ لِأَجْلِ وَاحِدٍ، وَهَذَا لَا يَرُدُّ عَلَى أَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ لِتَقْيِيدِهِمَا الْجَوَازَ بِعَدَمِ الضُّرِّ لِلْمُؤْتَمِّينَ كَمَا تَقَدَّمَ. وَمَا قَالَاهُ هُوَ أَعْدَلُ الْمَذَاهِبِ فِي الْمَسْأَلَةِ، وَبِمِثْلِهِ قَالَ أَبُو ثَوْرٍ. .

<<  <  ج: ص:  >  >>