. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[نيل الأوطار]
الزَّجْرُ عَنْ الرَّفْعِ وَالْخَفْضِ قَبْلَ الْإِمَامِ مِنْ حَدِيثٍ أَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا «الَّذِي يَخْفِضُ وَيَرْفَعُ قَبْلَ الْإِمَامِ إنَّمَا نَاصِيَتُهُ بِيَدِ شَيْطَانٍ» وَأَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مَوْقُوفًا وَهُوَ الْمَحْفُوظُ. قَوْلُهُ: (أَوْ يُحَوِّلُ اللَّهُ صُورَتَهُ. . . إلَخْ) الشَّكُّ مِنْ شُعْبَةَ، وَقَدْ رَوَاهُ الطَّيَالِسِيُّ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ وَابْنُ خُزَيْمَةَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ وَمُسْلِمٌ عَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ وَالرَّبِيعُ بْنُ مُسْلِمٍ كُلُّهُمْ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ بِغَيْرِ تَرَدُّدٍ، فَأَمَّا الْحَمَّادَانِ فَقَالَا: " رَأْسَ " وَأَمَّا الرَّبِيعُ فَقَالَ: " وَجْهَ " وَأَمَّا يُونُسُ فَقَالَ: " صُورَةَ " وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مِنْ تَصَرُّفِ الرُّوَاةِ. قَالَ عِيَاضٌ: هَذِهِ الرِّوَايَاتُ مُتَّفِقَةٌ لِأَنَّ الْوَجْهَ فِي الرَّأْسِ وَمُعْظَمُ الصُّورَةِ فِيهِ. قَالَ الْحَافِظُ: لَفْظُ الصُّورَةِ يُطْلَقُ عَلَى الْوَجْهِ أَيْضًا.
وَأَمَّا الرَّأْسُ فَرُوَاتُهَا أَكْثَرُ وَهِيَ أَشْمَلُ فَهِيَ الْمُعْتَمَدُ، وَخَصَّ وُقُوعَ الْوَعِيدِ عَلَيْهَا لِأَنَّ بِهَا وَقَعَتْ الْجِنَايَةُ. وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ يَقْتَضِي تَحْرِيمَ الرَّفْعِ قَبْلَ الْإِمَامِ لِكَوْنِهِ تَوَعَّدَ عَلَيْهِ بِالْمَسْخِ وَهُوَ أَشَدُّ الْعُقُوبَاتِ، وَبِذَلِكَ جَزَمَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ، وَمَعَ الْقَوْلِ بِالتَّحْرِيمِ فَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ فَاعِلَهُ يَأْثَمُ وَتُجْزِئُهُ صَلَاتُهُ، وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ: يُبْطِلُ، وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ، وَأَهْلُ الظَّاهِرِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ النَّهْيَ يَقْتَضِي الْفَسَادَ وَالْوَعِيدَ بِالْمَسْخِ فِي مَعْنَاهُ. وَقَدْ وَرَدَ التَّصْرِيحُ بِالنَّهْيِ فِي رِوَايَةِ أَنَسٍ الْمَذْكُورَةِ فِي الْبَابِ عَنْ السَّبْقِ بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَالْقِيَامِ وَالْقُعُودِ. وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي مَعْنَى الْوَعِيدِ الْمَذْكُورِ، فَقِيلَ: يُحْتَمَلُ أَنْ يَرْجِعَ ذَلِكَ إلَى أَمْرٍ مَعْنَوِيٍّ، فَإِنَّ الْحِمَارَ مَوْصُوفٌ بِالْبَلَادَةِ فَاسْتُعِيرَ هَذَا الْمَعْنَى لِلْجَاهِلِ بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِ مِنْ فَرْضِ الصَّلَاةِ وَمُتَابَعَةِ الْإِمَامِ، وَيُرَجِّحُ هَذَا الْمَجَازَ أَنَّ التَّحْوِيلَ لَمْ يَقَعْ مَعَ كَثْرَةِ الْفَاعِلِينَ لَكِنْ لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ يَقَعُ وَلَا بُدَّ، وَإِنَّمَا يَدُلُّ عَلَى كَوْنِ فَاعِلِهِ مُتَعَرِّضًا لِذَلِكَ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ التَّعَرُّضِ لِلشَّيْءِ وُقُوعُهُ، وَقِيلَ: هُوَ عَلَى ظَاهِرِهِ إذْ لَا مَانِعَ مِنْ جَوَازِ وُقُوعِ ذَلِكَ. وَقَدْ وَرَدَتْ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ تَدُلُّ عَلَى جَوَازِ وُقُوعِ الْمَسْخِ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ. وَأَمَّا مَا وَرَدَ مِنْ الْأَدِلَّةِ الْقَاضِيَةِ بِرَفْعِ الْمَسْخِ عَنَّا فَهُوَ الْمَسْخُ الْعَامُّ.
وَمِمَّا يُبْعِدُ الْمَجَازَ الْمَذْكُورَ مَا عِنْدَ ابْنِ حِبَّانَ بِلَفْظِ «أَنْ يُحَوِّلَ اللَّهُ رَأْسَهُ رَأْسَ كَلْبٍ» لِانْتِفَاءِ الْمُنَاسَبَةِ الَّتِي ذَكَرُوهَا مِنْ بَلَادَةِ الْحِمَارِ. وَمِمَّا يُبْعِدُهُ أَيْضًا إيرَادُ الْوَعِيدِ بِالْأَمْرِ الْمُسْتَقْبِلِ، وَبِاللَّفْظِ الدَّالِّ عَلَى تَغْيِيرِ الْهَيْئَةِ الْحَاصِلَةِ، وَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ التَّشْبِيهَ بِالْحِمَارِ لِأَجْلِ الْبَلَادَةِ لَقَالَ مَثَلًا: فَرَأْسُهُ رَأْسَ حِمَارٍ، وَلَمْ يَحْسُنْ أَنْ يُقَالَ لَهُ: إذَا فَعَلْتَ ذَلِكَ صِرْتَ بَلِيدًا، مَعَ أَنَّ فِعْلَهُ الْمَذْكُورَ إنَّمَا نَشَأَ عَنْ الْبَلَادَةِ. وَاسْتُدِلَّ بِالْأَحَادِيثِ الْمَذْكُورَةِ عَلَى جَوَازِ الْمُقَارَنَةِ. وَرُدَّ بِأَنَّهَا دَلَّتْ بِمَنْطُوقِهَا عَلَى مَنْعِ الْمُسَابَقَةِ، وَبِمَفْهُومِهَا عَلَى طَلَبِ الْمُتَابَعَةِ، وَأَمَّا الْمُقَارَنَةُ فَمَسْكُوتٌ عَنْهَا. قَوْلُهُ: (وَلَا بِالِانْصِرَافِ) قَالَ النَّوَوِيُّ: الْمُرَادُ بِالِانْصِرَافِ: السَّلَامُ انْتَهَى.
وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ النَّهْيَ عَنْ الِانْصِرَافِ مِنْ مَكَانِ الصَّلَاةِ قَبْلَ الْإِمَامِ لِفَائِدَةِ أَنْ يُدْرِكَ الْمُؤْتَمُّ الدُّعَاءَ، أَوْ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الْإِمَامُ قَدْ حَصَلَ لَهُ فِي صَلَاتِهِ سَهْوٌ فَيَذْكُرُ وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute