بَابُ مَا جَاءَ فِي إمَامَةِ الصَّبِيِّ
١٠٩١ - (عَنْ عَمْرِو بْنِ سَلَمَةَ قَالَ: «لَمَّا كَانَتْ وَقْعَةُ الْفَتْحِ بَادَرَ كُلُّ قَوْمٍ
ــ
[نيل الأوطار]
الْأَصْلُ بِمَا ذَكَر الْمُصَنِّفُ وَذَكَرْنَا مِنْ الْأَدِلَّةِ، وَبِإِجْمَاعِ الصَّدْرِ الْأَوَّلِ عَلَيْهِ، وَتَمَسَّكَ الْجُمْهُورُ مِنْ بَعْدِهِمْ بِهِ، فَالْقَائِل بِأَنَّ الْعَدَالَةَ شَرْطٌ كَمَا رُوِيَ عَنْ الْعِتْرَةِ وَمَالِكٍ وَجَعْفَرِ بْنِ مُبَشِّرٍ وَجَعْفَرِ بْنِ حَرْبٍ مُحْتَاجٌ إلَى دَلِيلٍ يُنْقَلُ عَنْ ذَلِكَ الْأَصْلِ.
وَقَدْ أَفْرَدْتُ هَذَا الْبَحْثَ بِرِسَالَةٍ مُسْتَقِلَّةٍ وَاسْتَوْفَيْتُ فِيهَا الْكَلَامَ عَلَى مَا ظَنَّهُ الْقَائِلُونَ بِالِاشْتِرَاطِ دَلِيلًا مِنْ الْعُمُومَاتِ الْقُرْآنِيَّةِ وَغَيْرِهَا، وَلَهُمْ مُتَمَسَّكٌ عَلَى اشْتِرَاطِ الْعَدَالَةِ لَمْ أَقِفْ عَلَى أَحَدٍ اسْتَدَلَّ بِهِ وَلَا تَعَرَّضَ لَهُ. وَهُوَ مَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد وَسَكَتَ عَنْهُ هُوَ وَالْمُنْذِرِيُّ عَنْ السَّائِبِ بْنِ خَلَّادٍ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَأَى رَجُلًا أَمَّ قَوْمًا فَبَصَقَ فِي الْقِبْلَةِ وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَنْظُرُ إلَيْهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِين فَرَغَ: لَا يُصَلِّي لَكُمْ، فَأَرَادَ بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ يُصَلِّيَ بِهِمْ فَمَنَعُوهُ وَأَخْبَرُوهُ بِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَذَكَرَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَقَالَ: نَعَمْ، قَالَ الرَّاوِي: حَسِبْتُ أَنَّهُ قَالَ لَهُ: إنَّكَ آذَيْتَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ» .
وَاعْلَمْ أَنَّ مَحَلَّ النِّزَاعِ إنَّمَا هُوَ فِي صِحَّةِ الْجَمَاعَةِ خَلْفَ مَنْ لَا عَدَالَةَ لَهُ وَأَمَّا أَنَّهَا مَكْرُوهَةٌ فَلَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ كَمَا فِي الْبَحْرِ. وَقَدْ أَخْرَجَ الْحَاكِمُ فِي تَرْجَمَةِ مَرْثَدٍ الْغَنَوِيِّ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنْ سَرَّكُمْ أَنْ تُقْبَلُ صَلَاتُكُمْ فَلْيَؤُمَّكُمْ خِيَارُكُمْ، فَإِنَّهُمْ وَفْدُكُمْ فِيمَا بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ رَبِّكُمْ» وَيُؤَيِّد ذَلِكَ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ الْمَذْكُورُ فِي الْبَابِ قَوْله: «لَا تَؤُمَّنَّ امْرَأَةٌ رَجُلًا» فِيهِ أَنَّ الْمَرْأَةَ لَا تَؤُمُّ الرَّجُلَ.
وَقَدْ ذَهَبَ إلَى ذَلِكَ الْعِتْرَةُ وَالْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَغَيْرُهُمْ، وَأَجَازَ الْمُزَنِيّ وَأَبُو ثَوْرٍ وَالطَّبَرِيُّ إمَامَتَهَا فِي التَّرَاوِيحِ إذَا لَمْ يَحْضُرْ مَنْ يَحْفَظُ الْقُرْآنَ. وَيُسْتَدَلُّ لِلْجَوَازِ بِحَدِيثِ أُمِّ وَرَقَةَ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَهَا أَنْ تَؤُمَّ أَهْلَ دَارِهَا» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَصَحَّحَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ. وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا الدَّارَقُطْنِيّ وَالْحَاكِمُ. وَأَصْلُ الْحَدِيثِ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا غَزَا بَدْرًا قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتَأْذَنُ لِي فِي الْغَزْوِ مَعَك؟ فَأَمَرَهَا أَنْ تَؤُمَّ أَهْلَ دَارِهَا وَجَعَلَ لَهَا مُؤَذِّنًا يُؤَذِّنُ لَهَا، وَكَانَ لَهَا غُلَامٌ وَجَارِيَةٌ دَبَّرَتْهُمَا» فَالظَّاهِرُ أَنَّهَا كَانَتْ تُصَلِّي وَيَأْتَمُّ بِهَا مُؤَذِّنُهَا وَغُلَامُهَا وَبَقِيَّةُ أَهْلِ دَارِهَا. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: إنَّمَا أَذِنَ لَهَا أَنْ تَؤُمّ نِسَاءَ أَهْلِ دَارِهَا قَوْلُهُ: (وَلَا أَعْرَابِيُّ مُهَاجِرًا) فِيهِ أَنَّهُ لَا يَؤُمّ الْأَعْرَابِيُّ الَّذِي لَمْ يُهَاجِر بِمَنْ كَانَ مُهَاجِرَا، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْمُهَاجِرَ أَوْلَى مِنْ الْمُتَأَخِّرِ عَنْهُ فِي الْهِجْرَةِ، وَمِمَّنْ لَمْ يُهَاجِرْ أَوْلَى بِالْأَوْلَى.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute