بَابُ اقْتِدَاءِ الْجَالِسِ بِالْقَائِمِ
١٠٩٨ - (عَنْ أَنَسٍ قَالَ: «صَلَّى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي مَرَضِهِ خَلْفَ أَبِي بَكْرٍ قَاعِدًا فِي ثَوْبٍ مُتَوَشِّحًا بِهِ» ) .
١٠٩٩ - (وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «صَلَّى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَلْفَ أَبِي بَكْرٍ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ قَاعِدًا» . رَوَاهُمَا التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُمَا) .
ــ
[نيل الأوطار]
الصَّلَاةَ فِي الْيَوْمِ مَرَّتَيْنِ» كَذَا قَالَ الطَّحَاوِيَّ. وَرُدَّ بِأَنَّ النَّهْي عَنْ فِعْلِ الصَّلَاةِ مَرَّتَيْنِ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهَا فَرِيضَةٌ فِي كُلّ مَرَّةٍ كَمَا جَزَمَ بِذَلِكَ الْبَيْهَقِيّ جَمْعًا بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ.
قَالَ فِي الْفَتْحِ: بَلْ لَوْ قَالَ قَائِلٌ: إنَّ هَذَا النَّهْيَ مَنْسُوخٌ بِحَدِيثِ مُعَاذٍ لَمْ يَكُنْ بَعِيدًا. وَلَا يُقَالُ: الْقِصَّةُ قَدِيمَةٌ وَصَاحِبُهَا اُسْتُشْهِدَ بِأُحُدٍ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: كَانَتْ أُحُدٌ فِي أَوَاخِرِ الثَّالِثَةِ فَلَا مَانِعَ أَنْ يَكُونَ النَّهْيُ فِي الْأُولَى، وَالْإِذْنُ فِي الثَّانِيَةِ مِثْلًا، وَقَدْ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلرَّجُلَيْنِ اللَّذَيْنِ لَمْ يُصَلِّيَا مَعَهُ: «إذَا صَلَّيْتُمَا فِي رِحَالِكُمَا ثُمَّ أَتَيْتُمَا مَسْجِدَ جَمَاعَةٍ فَصَلِّيَا مَعَهُمْ فَإِنَّهَا لَكُمَا نَافِلَةٌ» أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ مِنْ حَدِيثِ يَزِيدَ بْنِ الْأَسْوَدِ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ وَغَيْرُهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ، وَكَانَ ذَلِكَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ فِي أَوَاخِرِ حَيَاةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
وَيَدُلُّ عَلَى الْجَوَازِ أَمْرُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِمَنْ أَدْرَكَ الْأَئِمَّةَ الَّذِينَ يَأْتُونَ بَعْدَهُ وَيُؤَخِّرُونَ الصَّلَاةَ عَنْ مِيقَاتِهَا أَنْ يُصَلُّوهَا فِي بُيُوتِهِمْ فِي الْوَقْتِ ثُمَّ يَجْعَلُوهَا مَعَهُمْ نَافِلَةً. وَمِنْهَا أَنَّ صَلَاةَ الْمُفْتَرِضِ خَلْفَ الْمُتَنَفِّلِ مِنْ الِاخْتِلَافِ، وَقَدْ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا تَخْتَلِفُوا عَلَى إمَامِكُمْ» .
وَرُدَّ بِأَنَّ الِاخْتِلَافَ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ مُبَيَّنٌ فِي الْحَدِيثِ بِقَوْلِهِ: " فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا. . . إلَخْ " وَلَوْ سَلِمَ أَنَّهُ يَعُمُّ كُلَّ اخْتِلَافٍ لَكَانَ حَدِيثُ مُعَاذٍ وَنَحْوِهِ مُخَصِّصًا لَهُ، وَمِنْ الْمُؤَيِّدَاتِ لِصِحَّةِ صَلَاةِ الْمُفْتَرِضِ خَلْفَ الْمُتَنَفِّلِ مَا قَالَهُ أَصْحَابُ الشَّافِعِيُّ: إنَّهُ لَا يُظَنُّ بِمُعَاذٍ أَنْ يَتْرُك فَضِيلَةَ الْفَرْضِ خَلْفَ أَفْضَلِ الْأَئِمَّةِ فِي مَسْجِدِهِ الَّذِي هُوَ أَفْضَلُ الْمَسَاجِدِ بَعْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ. وَمِنْهَا مَا قَالَهُ الْخَطَّابِيِّ أَنَّ الْعِشَاءَ فِي قَوْلِهِ: " كَانَ يُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْعِشَاءَ " حَقِيقَةٌ فِي الْمَفْرُوضَةِ فَلَا يُقَالُ كَانَ يَنْوِي بِهَا التَّطَوُّعَ.
وَمِنْهَا مَا ثَبَتَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ " أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي كُلَّ طَائِفَةٍ رَكْعَتَيْنِ " وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى بِطَائِفَةٍ رَكْعَتَيْنِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ صَلَّى بِطَائِفَةٍ رَكْعَتَيْنِ» وَإِحْدَاهُمَا نَفْلٌ قَطْعًا، وَدَعْوَى اخْتِصَاصِ ذَلِكَ بِصَلَاةِ الْخَوْفِ غَيْرُ ظَاهِرَةٍ. وَمِنْهَا مَا رَوَاهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كَانَ يَعُودُ مِنْ الْمَسْجِدِ فَيَؤُمُّ بِأَهْلِهِ» وَقَدْ تَقَدَّمَ. .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute