للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[نيل الأوطار]

جَالِسًا. حَكَى ذَلِكَ الْقَاضِي عِيَاضٌ، قَالَ: وَلَا يَصِحّ لِأَحَدٍ أَنْ يَؤُمّ جَالِسًا بَعْدَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قَالَ: وَهُوَ مَشْهُورُ قَوْلِ مَالِكٍ وَجَمَاعَةِ أَصْحَابِهِ. قَالَ: وَهَذَا أَوْلَى الْأَقَاوِيلِ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَصِحُّ التَّقَدُّمُ بَيْن يَدَيْهِ فِي الصَّلَاةِ وَلَا فِي غَيْرهَا وَلَا لِعُذْرٍ وَلَا لِغَيْرِهِ. وَرُدَّ بِصَلَاتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَلْف عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَخَلْف أَبِي بَكْرٍ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ.

وَقَدْ اُسْتُدِلَّ عَلَى دَعْوَى التَّخْصِيص بِحَدِيثِ الشَّعْبِيِّ عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعَا: «لَا يَؤُمَّنَّ أَحَدٌ بَعْدِي جَالِسًا» .

وَأُجِيب عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّ الْحَدِيث لَا يَصِحّ مِنْ وَجْه مِنْ الْوُجُوه كَمَا قَالَ الْعِرَاقِيُّ، وَهُوَ أَيْضًا عِنْد الدَّارَقُطْنِيّ مِنْ رِوَايَة جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ عَنْ الشَّعْبِيِّ مُرْسَلًا، وَجَابِرٌ مَتْرُوك.

وَرُوِيَ أَيْضًا مِنْ رِوَايَة مُجَالِدٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ، وَمُجَالِدٌ ضَعَّفَهُ الْجُمْهُور. وَلَمَّا ذَكَرَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ أَنَّ هَذَا الْحَدِيث لَا يَصِحّ عَقَّبَهُ بِقَوْلِهِ: بَيْدَ أَنِّي سَمِعْت بَعْض الْأَشْيَاخ أَنَّ الْحَال أَحَد وُجُوه التَّخْصِيص، وَحَال النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالتَّبَرُّك بِهِ وَعَدَم الْعِوَض مِنْهُ يَقْتَضِي الصَّلَاة خَلْفه قَاعِدًا، وَلَيْسَ ذَلِكَ كُلّه لِغَيْرِهِ انْتَهَى. قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: وَقَدْ عُرِفَ أَنَّ الْأَصْل عَدَم التَّخْصِيص حَتَّى يَدُلّ عَلَيْهِ دَلِيل انْتَهَى. عَلَى أَنَّهُ يَقْدَح فِي التَّخْصِيص مَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد أَنَّ أُسَيْدَ بْنَ حُضَيْرٍ كَانَ يَؤُمّ قَوْمه، فَجَاءَ رَسُول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَعُودهُ، فَقِيلَ يَا رَسُول اللَّه: إنَّ إمَامنَا مَرِيض، فَقَالَ: «إذَا صَلَّى قَاعِدًا فَصَلُّوا قُعُودًا» قَالَ أَبُو دَاوُد: وَهَذَا الْحَدِيث لَيْسَ بِمُتَّصِلٍ.

وَمَا أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ قَيْسِ بْنِ قَهْدٍ الْأَنْصَارِيِّ أَنَّ إمَامًا لَهُمْ اشْتَكَى عَلَى عَهْد رَسُول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قَالَ: «فَكَانَ يَؤُمُّنَا جَالِسًا وَنَحْنُ جُلُوسٌ» قَالَ الْعِرَاقِيُّ: وَإِسْنَاده صَحِيح.

وَالْجَوَاب الثَّالِث مِنْ الْأَجْوِبَة الَّتِي أَجَابَ بِهَا الْمُخَالِفُونَ لِأَحَادِيثِ الْبَاب: أَنَّهُ يُجْمَع بَيْن الْأَحَادِيث بِمَا تَقَدَّمَ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ: وَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّ الْأَحَادِيث تَرُدّهُ لِمَا فِي بَعْض الطُّرُق أَنَّهُ أَشَارَ إلَيْهِمْ بَعْد الدُّخُول فِي الصَّلَاة. وَالْجَوَاب الرَّابِع: تَأْوِيل قَوْله: «وَإِذَا صَلَّى قَاعِدًا فَصَلُّوا قُعُودًا» أَيْ وَإِذَا تَشَهَّدَ قَاعِدًا فَتَشَهَّدُوا قُعُودًا أَجْمَعِينَ. حَكَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحه عَنْ بَعْض الْعِرَاقِيِّينَ، وَهُوَ كَمَا قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: تَحْرِيف لِلْخَبَرِ عُمُومه بِغَيْرِ دَلِيل. وَيَرُدّهُ مَا ثَبَتَ فِي حَدِيث عَائِشَةَ: أَنَّهُ أَشَارَ إلَيْهِمْ أَنْ اجْلِسُوا.

وَفِيهِ تَعْلِيل ذَلِكَ بِمُوَافَقَةِ الْأَعَاجِم فِي الْقِيَام عَلَى مُلُوكهمْ. إذَا عَرَفْت الْأَجْوِبَة الَّتِي أَجَابَ بِهَا الْمُخَالِفُونَ لِأَحَادِيثِ الْبَاب فَاعْلَمْ أَنَّهُ قَدْ أَجَابَ الْمُتَمَسِّكُونَ بِهَا عَلَى الْأَحَادِيث الْمُخَالِفَة لَهَا بِأَجْوِبَةٍ: مِنْهَا قَوْل ابْن خُزَيْمَةَ: إنَّ الْأَحَادِيث الَّتِي وَرَدَتْ بِأَمْرِ الْمَأْمُوم أَنْ يُصَلِّي قَاعِدَا لَمْ يُخْتَلَف فِي صِحَّتهَا وَلَا فِي سِيَاقهَا.

وَأَمَّا صَلَاته - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي مَرَض مَوْته فَاخْتُلِفَ فِيهَا هَلْ كَانَ إمَامًا أَوْ مَأْمُومًا. وَمِنْهَا أَنَّ بَعْضهمْ جَمَعَ بَيْن الْقِصَّتَيْنِ بِأَنَّ الْأَمْر بِالْجُلُوسِ كَانَ لِلنَّدْبِ، وَتَقْرِيره قِيَامهمْ خَلْفه كَانَ لِبَيَانِ الْجَوَاز. وَمِنْهَا أَنَّهُ اسْتَمَرَّ عَمَل الصَّحَابَة عَلَى الْقُعُود خَلْف الْإِمَام الْقَاعِد فِي حَيَاته - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبَعْد مَوْته كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ أُسَيْدِ بْنِ حُضَيْرٍ وَقَيْسِ بْنِ قَهْدٍ. وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ بِإِسْنَادٍ صَحِيح عَنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>