للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

" من عرف كتاب الله نصاً واستنباطاً، استحق الإمامةَ في الدين " (١)

وقد علق إمام الحرمين على عبارة الشافعي هذه، قائلاً: " جمع الإمامُ المطّلبي الشافعي رضي الله عنه الصفات اللازمة في المجتهدين في هذه الكلمة الوجيزة ... وكل التفاصيل التي قدمناها مندرجة تحت هذه الكلم " (٢).

قد يفُهم من هذه الروايات التي نصح فيها الناصحون الشافعي بالاشتغال بالفقه بأن ذلك كان بعد السنوات العشر التي قضاها في البادية، ولكن هذا غير صحيح؛ فقد صحت روايات عن الشافعي أنه قال عن اشتغاله باللغة، وإقامته بالبادية: " ما أردتُ بهذا إلا الاستعانة على الفقه ".

والذي لا يصح في العقل غيره أن الشافعي ما كان منقطعاً في البادية هذه السنوات العشر انقطاعاً متصلاً، بل كان يرواح بين الإقامة في مكة والارتحال إلى البادية، بل إن الروايات التي رُويت عن نُصحه بالاشتغال بالفقه توحي بأن ذلك كان أثناء اشتغاله باللغة والتردّد على البادية.

فالمراحل متداخلة، وليست متتابعة، وعلى هذا يمكن أن تُفهم هذه الروايات، فهو قد خرج أولاً إلى البادية لطلب اللغة، ولما اشتغل بالفقه -استجابةً لنصح الناصحين- وجد أن اللغة أَلْزم للفقه، فزاد اشتغاله بها، والارتحال من أجلها، وصح ما روي من قوله: " إنه ما أراد باللغة والشعر إلا الاستعانة على الفقه ".

فتكون السنوات العشر، أو الإحدى عشرة، قبل رحيله إلى الإمام مالك بالمدينة قد كانت بين حلقات الفقه، والارتحال إلى البادية. (جاء إلى مكة وهو ابن عامين ورحل إلى مالك وهو ابن ثلاثة عشر عاماً).

[مدرسة مكة]

كانت مكةُ إذاً مراحَ طفولة الشافعي، ومربعَ صباه، ودار نشأته، ومجلى نبوغه، ففيها حفظ القرآن الكريم، وأتمه وهو بعدُ غضّ الإهاب طري العود، وفي البادية من


(١) ر. الرسالة: فقرة رقم ٤٦.
(٢) ر. الغياثي: فقرة رقم ٥٧٧، ٥٧٨. بتصرف يسير.

<<  <  ج: ص:  >  >>