غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى} [النساء: ١١٥]؛ فهذا تصريحٌ واضح تمام الوضوح بأن كتاب (تهذيب الأصول) من تأليفه.
فلو كان (بويج) قد قرأ أعمال الغزالي، ما تشكك في نسبة كتاب (تهذيب الأصول) إليه، ولو كان عبد الرحمن بدوي قد قرأ أعمال الغزالي، لوقع على هذه العبارة، ولجاء ردّه على (بويج) قاطعاً نضاً، لا استنتاجاً، ولكان شافياً مقنعاً لـ (بويج) ولكل المتشككين، ولحسمت القضية، ولم تبق معلقة بين باحِثَين مثبتٍ ونافٍ.
فهذا دليل آخر يؤيد دعوتنا إلى ضرورة بناء دراسات الفكر الإسلامي والحكم عليه على تحليل المؤلفات ذاتها، والرجوع إلى مادة المصادر عينها، وهذا يتطلب منا بذل جهودٍ صادقة (لتكشيف) كتب التراث، وفهرستها فهرسة علمية دقيقة.
وأعتقد أن ذلك عندما يتم، وتراجع الأحكام والدراسات على ضوء النصوص التراثية، وتحليلها، وفهمها، أعتقد أن كثيراً من الأحكام الموروثة الشائعة بيننا الآن ستتغير، ومميكلون تغيير كثير منها إلى العكس تماماً.
بعد هذا التمهيد نأخذ في بيان بعض ملامح منهج إمام الحرمين على ضوء ما ندعو إليه، أي نستخرجها من نصوص كتابه هذا (نهاية المطلب).
أولاً - بصر وبصيرة بروح الشرع، ومقاصد الشريعة:
* فمن ذلك عندما عرض لأحكام المياه، وذكر حكم الماء إذا خالطه التراب، وكان بحيث لا يمنع إطلاق اسم الماء عليه، وقول الجمهور:" إنه لا يسلب الماء طهوريته "، ردّ تعليلَهم ذلك الحكمَ:" بأن التراب طهور في نفسه، فهو موافق للماء في صفته، فلا يضر تغير الماء به " وأنكر عليهم هذا التعليل أشدّ الإنكار، قائلاً:" هذا من ركيك الكلام، وإن ذكره طوائف؛ فإن التراب غير مطهّر، وإنما عُلِّقت به إباحةٌ بسبب ضرورة، والكلام في أصله مفرّع على طريقة غير مرضية، وإذا طال التفريع على الضعيف، تضاعف ضعفه ". اهـ