للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يتعاطَوْن الفن الذي فيه الكتاب المحقَّق، فعليه أن يكون قادراً على تمييز واختيار ما يفسِّر، وما يترك لفطنة القارىء ومعرفته.

ويسرف أحياناً بعض المحققين في هذا الباب حتى يصل الأمر إلى ما يشبه العبث، فحينما يحقق أحدهم كتاباً من عيون التراث، فيفسر كلمة (حضانة)، ويسمح لقلمه أن يسجل في الهامش: حضن الطائر بيضه حضانة: أي رقد عليه حتى يفرخ!! ألا يستحق التعزير على ذلك؟

والأدهى من ذلك أن أحدهم يتصدى لتفسير ألفاظ، قد لا يكون فيها نوع غموض، ويترك ألفاظاً غير مأنوسة ألبتة.

[٨ - علامات الترقيم]

وهذا في الواقع روح العمل، وقوامه، فوضع هذه العلامات -لا شك- فرع فَهْم المحقق للنص، وآيةُ حسن قراءته، وتمام إقامته، وهي بعد ذلك مُعينة وهادية للباحثين، والدارسين، والعلماء الذين سيطالعون النص من بعدُ.

فعلى المحقق أن يتعهد مقاطع الكلام، ويميز بينها، بواسطة هذه العلامات: الفصلة، والنقطة، والشرطة ... ونحوها. ويضع كلاًّ منها في موضعه المناسب، ويرتبط هذا على نحوٍ ما بالضبط، فعندما يميز المحقق بين الواو العاطفة، والواو المستأنفة، فعليه أن يضبط ما بعد الواو المستأنفة، إضاءة للنص، وقطعاً لوهم من يتوهم العطف، فيضرب في بيداء التيه، ويقع بعيداً عن مراد المؤلف ومرمى كلامه.

وكذلك رعاية المسائل، وتمييزها بعضها عن بعض، ثم فروع كل مسألة في داخلها، وتقسيمها إلى فقرات، ووسيلة المحقق إلى ذلك: النقطة علامة تمام الكلام، والبدء من أول السطر، ثم البدء من أول السطر مع ترك مسافة، أو مسافتين، أو وضع علامة الانتقال إلى موضوع جديد.

كل ذلك (التنسيق) مسؤولية المحقق، وآية قدرته على أداء أمانة التحقيق التي قلنا: " إنها إقامة وإضاءة ".

وكم من عبارة انقلب معناها إلى معنىً مغايرٍ تماماً، بسبب هذا الخلل في وضع

<<  <  ج: ص:  >  >>