٣٣٦٩ - ذكر الشافعي رحمة الله عليه في صدر الباب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" لا يبيع حاضر لبادٍ "(١).
والحديث وارد في القرويّ أو البدوي يدخل البلد بسلَعٍ وأمتعة، وهو يبغي بيعَها بسعر اليوم خائفاً أن تعظم المؤنةُ عليه لو أقام. فإذا تقدم إليه حضريٌّ والتمس منه أن يترك أمتعته عنده حتى يبيعها على مر الزمن، وقد يتضيق بهذا السبب الأمرُ على أهل البلد. فهذا منهي عنه.
وإن كان البدوي عازماً على الإقامة والتربص بالأمتعة وبيعها على مر الأوقاتِ، فإذا أعانه حضريٌّ على عزمه، والتمس منه أن يفوّض الأمرَ إليه، لم يلحقه بذاك حَرجٌ، وكان ما جاء به من باب التعاون. وكذلك إذا طلب البدوي ذلك ابتداء من الحضري، فأسعفه، فلا بأس ولا حرج.
وكل ما ذكرناه إذا كان يظهر بسبب التربص ضيقٌ على المسلمين.
فإن لم يكن كذلك والأسعار رخيصة، وأمثال تلك السلعةِ موجودة، وكان لا يظهر بالتربص بها أثر محسوس، فهل يَحرَج من يحمل البدويَّ على التربص؟ فعلى وجهين: أحدهما - أنه يحرَج بمطلق النهي. والثاني - لا يحرَج؛ لأنَّ معنى الضرار مقصود من النهي، فإذا لم يكن، فلا بأس.
ثم إذا باع حاضر لبادٍ، فلا شك في انعقاد العقد؛ فإن النهي ليس يتمكن من مقصود البيع.
(١) حديث: " لا يبيع حاضر لبادِ ". متفق عليه من حديث ابن عباس. (اللؤلؤ والمرجان: ح ٩٧٣).