للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المبحث الثاني: أسلوب إمام الحرمين]

أسلوب الإمام في مؤلفاته يضعه في الطبقة الأولى من البلغاء والأدباء، فهو واحد من فرسان البيان المعروفين، فمع أنه يكتب في فنون علمية دقيقة: علم الكلام وعلم الأصول، وعلم الفقه، إلا إنك تجد في أسلوبه طلاوة وعذوبة، مع جزالة وفخامة في الوقت نفسه، وإن وجدتَ غرابة في بعض الألفاظ، فلن تجدها حوشيَّة خشنة، وإنما تأتي الغرابة من بُعد ما بيننا وبين عصر الإمام، وطغيان العُجمة واللكنة على لغتنا نحن، عرف له ذلك معاصروه ومترجموه، فها هو عبد الغافر الفارسي يقول:

" أخذ من العربية وما يتعلق بها أوفرَ حظ ونصيب؛ فزاد فيها على كل أديب، ورُزق من التوسع في العبارة وعلوِّها ما لم يُعهد من غيره، حتى أنسى ذكرَ سحبان، وفاق فيها الأقران، وحمل القرآن، فأعجز الفصحاء اللُّد، وجاوز الوصف والحد (١) ".

وقال صاحب المسالك والممالك، ابنُ فضل الله العُمري: " أفصحُ الفقهاء لساناً، وأوضح البلغاء إحساناً، لعباراته في الفقه نزعاتٌ أدبية، ونزغات عربية، كأنما جاء بها من البادية، تلاعبها أعطاف ريحها، وتجاذبها أطراف البداوة إلى لِمم شيحها (٢) ".

لم يَغب عنا أن شرطنا في هذه الفصول أن نلتزم بما يستخرج ويستنبط من (نهاية المطلب) ولكنا لم نستطع أمام شهادة بهذا المستوى، وبهذا القدر إلا أن نتحفك بها.

ونعود إلى (نهاية المطلب)، فنجد الأسلوب الرشيق الأنيق، والألفاظ الدقيقة الواضحة، والكلام الجزل الفصيح، فهو بحق أسلوب علمي متأدب، فمع أن لغة


(١) طبقات السبكي: ٥/ ١٧٤.
(٢) مسالك الأبصار في ممالك الأمصار: ٦/ ٢٨٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>