أما الكتاب، فهو ذخيرة ثمينة من ذخائر تراثنا الفقهي الزاخر، يعرفه المشتغلون بفقه المذهب الشافعي، ويدركون قيمته، فهو أحد الأعمدة التي يستند إليها، ويعول عليها، وهو ينشر لأول مرة؛ فقد كان كنزاً مطموراً، برغم شهرته، ولكنه لم تكن منه نسخة كاملة مجموعة في مكتبة واحدة، يسهل تناولها والعكوف عليها.
ومن المعروف: أن في كل مذهب من المذاهب المتبوعة كتباً متميزة تعد (أمهات) فيه. وليس السبب في ذلك هو (كمها) أو سعتها وكثرة أوراقها وصفحاتها فحسب، بل العمدة فيها هو (الكيف) قبل (الكم)؛ لما تعتمده من تأصيل، وما تحتويه من تدليل، وما تتخذه من نهج علمي، يميزها عن غيرها.
ألف إمام الحرمين كتاب (النهاية) في سنواته الأخيرة، أي بعد أن اكتمل نضجه، وأخرج زرعُه شطأه، واستغلظ واستوى على سوقه، أراد أن ينهض بمهمة في المذهب لا يقوم بها غيره، من تهذيب المذهب بكتاب (يحوي تقرير القواعد، وتحرير الضوابط والمعاقد، في تعليل الأصول، وتبيين مآخذ الفروع، وترتيب المفصَّل منها والمجموع، ويشتمل على حل المشكلات، وإبانة المعضلات، والتنبيه على المعاصات ... ) كما قال رحمه الله في مقدمة الكتاب. بل قال في مقدمته هذه الكلمة المعبرة عن نظرته إلى الكتاب وقيمته عنده:(وهو -على التحقيق- نتيجةُ عمري، وثمرة فكري في دهري)(١)!
ومن قرأ لفقهاء الشافعية بعد إمام الحرمين، وجدهم مزهوِّين كلَّ الزهو، فخورين كل الفخر، بكتاب إمامهم هذا، فطالما نوهوا به، وعظموا قدره، وأشاروا إلى تفرده وتميزه.
انظر إلى ما قاله ابنُ عساكر عنه في كتاب (تبيين كذب المفتري): أنه ما صُنّف في الإسلام مثله!
(١) اقتبسنا هذه الكلمة من مقدمة الكتاب عند الدكتور الديب.