ظل الشافعي بالعراق، يدرس، ويسمع، ويناظر حتى أتقن طريقة العراقيين، وجمع علمهم إلى ما جمعه من علم مالك ومدرسة المدينة، وإلى ما حصله قبلاً من مدرسة مكة، وإلى ما تلقاه من علماء اليمن.
وكانت إقامته في العراق في هذا القَدْمة نحو عامين، حمل فيهما من علم محمد بن الحسن وحده وِقْر بعير، ليس فيها شيء إلا وقد سمعه عليه.
وقيل: إن إقامته ببغداد كانت خمس سنوات، وأنه لم يغادرها إلا بعد وفاة محمد بن الحسن في عام ١٨٩ هـ.
عودٌ إلى مكة
عاد الشافعي إلى مكة، وطالت إقامته بها نحو تسع سنوات، كانت هذه الفترة من أخصب الفترات في حياة الشافعي، فقد عاد إلى مكة بعد أن استوعب علم هاتيك البلاد والأمصار التي زارها، ومناهج هذه المدارس التي جلس إلى شيوخها، فكانت هذه الفترة فترة التأمل والنقد، وكانت مكة أنسب الأماكن لهذه التأمل والاختبار، فهي بعيدة عن ضجيج بغداد ومناظراتها، ومصارعة المذاهب والتيارات التي تموج بها، ثم فيها الاستقرار في كنف الأهل والعشيرة، والأنس ببيت الله الحرام.
ثم هي مثابة العلماء يفدون إليها في كل موسم، فيلقاهم، ويفيد ما عندهم، ويختبر ما عنده.
في هذه السنوات التسع عكف الشافعي على وضع مقاييس وقواعد يرجع إليها عند الاختلاف، فأخذ يبحث في القرآن الكريم: ناسخه ومنسوخه، والعام والخاص، وطرق الدلالة، وفي السنة ومنزلتها من الكتاب، وصحيحها وسقيمها، وكيف تستنبط الأحكام إذا لم يكن قرآن وسنة، وضوابط الاجتهاد، و ....
ومن هنا بدأ استقلال الشافعي بمذهبٍ أو بمنهج خاص (١).