بات الآن واضحاً معنى تحرير المذهب، وهو نَخْل مصنفات أئمته وشيوخه، وبيان ما هو موافق لقول الشافعي وأصوله، حتى يصح أن ينسب إليه، ويتميز عن غيره من الوجوه والاجتهادات التي لا يصح أن تنسب إلى الشافعي، وتُعتبر مذهباً له.
أما لماذا هذا التحرير، فيجيبنا على هذا التساؤل، الشيخ محمد إبراهيم علي في مفتتح بحثه بقوله:
" تُحتم الأمانة العلمية على الباحث أن يتحرى الصحة التامة في عزو الأقوال إلى قائليها، وخاصة الأقوال الفقهية، لما يترتب على الخطأ في عزوها من نسبة التحليل والتحريم إلى من لم يقل به.
ومن ثّم كان لزاماً على كل من يتعرض للبحث الفقهي -وخاصة المقارن منه- أن يعرف الاصطلاح المتفق عليه بين علماء المذهب -أيّ مذهب- والكتب التي اعتُمدت ممثلةً لرأي المذهب ودرجات اعتمادها ".
إذاً كان تحرير المذهب ضرورة بمقتضى الأمانة العلمية التي تحتم نسبة الأقوال إلى قائليها، فهذه الأقوال تتعلق بدين الله، تتعلق بالتحريم والتحليل، وقائلها كما سماه ابنُ القيم -رحمه الله- موُقِّعٌ عن رب العالمين، وأي منصب أخطرُ من هذا.
وواضح أننا حينما نتكلم عن تحرير المذهب، ببيان وتحديد ما يصح أن يُنسب للإمام الشافعي، ويعتبر قولاً له، واضح أننا حينما نقول ذلك لا يخطر ببالنا أن الوجوه والاجتهادات التي لم تُعدّ من المذهب ليست فقهاً، أو ليست صحيحة، لا يخطر هذا ببال أحد، ولكن أحببنا أن ننبه إليه؛ قطعاً لأي وهم.
بل إن هذه الأقوال والاجتهادات -التي لا تُعد من المذهب- أهمُّ المصادر لاجتهادات الفقهاء المعاصرين (الآن)، منها يختارون، وعليها يتكئون، بعد أن يمتحنوا القواعد والأصول التي قامت عليها، والأدلة التي استندت إليها.