للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حكى النووي هذا، وعقب قائلاً: " قلت: هذا الذي ذكراه موافق لما أمرهم به الشافعي، ثم المزني في أول مختصره " يعني نَهْيَ الشافعي أصحابه عن تقليده، وأَمْرهم أن يجتهدوا كما اجتهد هو.

استبحر الفقه الشافعي وملأ المكان والزمان، فكان له أنصاره وأتباعه في العراق، وفي بلاد الحجاز، واليمن وفارس، وخراسان، وما وراء النهر، وعاصر دولاً وأحداثاً، ونَصَره نظامُ الملك، ومكن له في دولة السلاجقة على اتساعها، وبنى لعلمائه وشيوخه المدارسَ النظامية، ببغداد، ونيسابور، وسائر مدن الدولة.

حمل ذلك التيارُ الهادرُ -مع تباعد الأقاليم وامتداد الزمان- تخريجاتٍ وآراءً، تتأثر -لا شك- بالبيئة هنا وهناك، وبالمشارب والمنازع، وأُودع كل ذلك مصنفات المذهب ومدوّناته، وكان فيها -بداهة- ما لا يتفق مع المذهب بصورةٍ أو بأخرى، من البعد والقرب.

يقول شيخنا الإمام أبو زهرة: " ولو أننا درسنا آراء فقهاء خراسان ونيسابور، وآراء فقهاء العراق، وحللَّناها، لوجدنا أثر البيئة واختلافَ النزعات يلوح وراءها، ولعل اجتهاد العراقيين، كان أقرب إلى المنقول عن الشافعي من اجتهاد الخراسانيين، والنيسابوريين (١) ".

وإلى شيء من هذا الفرق بين المدرستين قال النووي: " اعلم أن نقل أصحابنا العراقيين لنصوص الشافعي وقواعد مذهبه، ووجوه متقدمي أصحابنا أتقنُ وأثبتُ من نقل الخراسانيين غالباً، والخراسانيون أحسنُ تصرّفاً وبحثاً وتخريجاً وترتيباً غالباً " (٢).

...


(١) ر. الشافعي - حياته وعصره: ٣٨٥. ويلاحظ أن شيخنا يعطف (النيسابوريين) على (الخراسانيين) من باب عطف الخاص على العام، وليس المغايرة.
(٢) السابق نفسه، عن المجموع: ١/ ٦٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>