١١٤٩٥ - روي " أن عمر رضي الله عنه طلب من تنوخ وبهراء وتغلب، وهم نصارى العرب الجزية، فقالوا: نحن العرب، فلا نقبل الصغار، والجزيةُ صغار، فخذ منا ما يأخذ بعضكم من بعض -يعنون الصدقة- فقال: إنها طهرة المسلمين، ولستم من أهلها، فقالوا خُذْ بذلك الاسم، وضعِّف ما شئت، فضعّف عليهم الصدقة "(١) هذا أصل الباب.
وأول ما يجب الإحاطة به أن المأخوذ منهم، وإن كان يسمى صدقة، فهو في الحقيقة جزية، ومصرفه مصرف الجزية، ولا يؤخذ من أموال النساء والصبيان، فإذا رأى الإمام أن يأخذ من قومٍ من الكفار عرباً كانوا أو عجماً، ضعفَ الصدقات، وغرضه من المأخوذ الجزيةُ، فليفعل ما بدا له، ولا ضبط، فلو أراد أن يأخذ ثلاثة أمثال الصدقة، ووقع التراضي بها، أو أخذ مثلها، أو مثل نصفها، فلا بأس، والمأخوذ منه يُقابَلُ بالجِزَى المفضوضة على الرؤوس: لكل رجل دينار، فإن وفَّى المأخوذ، فذاك، وإن زاد وقبلوا الزيادة، لزمهم الوفاء بها، كما تمهد، وإن نقص المأخوذ عن مقدار الجزية كلّفناهم بتكميل الجزية على حسب ما ذكرناه.
ولو أراد أن يأخذ منهم مقدار الصدقة، فإن كان أكثر من أقل الجزية، جاز وإن كان مثل الجزية، فالذي اقتضاه قول الأصحاب في الطرق أن ذلك جائز، إذا رآه الإمام؛ فإن الغرض استيفاء الجزية بأي حسابٍ فُرض، وعلى أي وجه قدر، ولا يبعد عندنا أن يقال: إذا لم يكن للإمام غرض ماليٌ فيما يأخذه، فتشبيهه أهل الذمة بالمسلمين في
(١) خبر عمر مع نصارى العرب وقبولهم تضعيف الصدقة فراراً من اسم الجزية، رواه الشافعي (الأم: ٤/ ٢٨١)، وابن أبي شيبة في مصنفه (٣/ ١٩٨)، وعبد الرزاق في مصنفه (ح ٩٩٧٤)، والبيهقي (٩/ ٢١٦) ورواه أبو عبيد في الأموال: (ص ٣٣ ح ٧١). وانظر التلخيص: (٤/ ٢٣٣ ح٢٣٢٦).