تاسعاً - البراعة في التشبيه والتمثيل لتوضيح المعاني:
بقليل من التأمل والتنبه يدرك من يطالع كتابنا هذا اتباع الإمام لأسلوب التشبيه والتمثيل، لبيان المعنى الذي يقصد إليه، فمن ذلك:
* عندما تحدث عن الجبر والمقابلة، والاعتماد عليه في استخراج الوصية بالنسبة إلى ما تبقى من الأنصباء، وضرورة الجبر والمقابلة للوصول إلى سرّ النسبة، قال:
" وأصل الجبر أسرار النسبة. ولو اطلع مطلع على سرّ النسبة، لم يحتج إلى شيء من مراسم الحُساب، ولكن الوصول إلى حقائق النسب ليس بالهين ...
وأشبه شيء بالنسب والطرق الموضوعة في الحساب - الذوقُ في الشعر مع العروض؛ فمن استدّ ذوقه، قال الشعرَ، ومن لا يترقى ذوقه، نَظَم، وقام له العروض مقام الذوق إذا أحكم مراسمها.
كذلك طرق الحُسّاب إذا تمرن المرء عليها، أهدته إلى إخراج المجاهيل، وقد تطول دُربته فيها، فيتطلع إلى إدراك النسب ".
ولسنا بحاجة إلى أن نلفت نظرك إلى ما في هذا التشبيه من دقة، وطرافة، وذوق، ومهارة، ودلالة على سعة المعارف، وخصوبة الذاكرة.
فهو يشبِّه المهارة في إدراك النسبة بين الأعداد وعلاقتها بعلم الجبر الذي يؤدي في حقيقته إلى الوصول إلى النسبة ومعرفتها. يشبِّه ذلك بالذوق الشعري وعلاقته بعلم العروض، فكما أن صاحب الذوق الشعري يقول الشعر طبيعةً من غير معاناة تعلم، فيقع موزوناً مقفىً، فلا يحتاج إلى علم العروض.
فكذلك من مهر في إدراك النسبة بين الأعداد، وصار ذلك سليقةً وطبعاً له، لا يحتاج إلى علم الجبر ليكشف له هذه النسبة.
* ومن ذلك تشبيهه وتصويره لتطهير البئر إذا تنجست، وقد تبدو هذه المسألة هينة لمن ينظر إلى حالنا اليوم ووفرة الماء في البيوت، وجريه في أنابيب محكمة نظيفة، ويصب علينا من صنابير (حنفيات) ذات أشكال وألوان من التجمل والتفنن.