١١٤٤٣ - الأصل في الباب قوله تعالى:{حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ}[التوبة: ٢٩]. والمراد بالإعطاء الالتزام لا صورةُ البذل يقال لمن أذعن لقبول الجزية: قد أعطى الجزية، أي استسلم لها.
واختلف العلماء في قوله تعالى:{وَهُمْ صَاغِرُونَ}: قال الشافعي: الصغار جريان أحكام الإسلام عليهم على خلاف عقيدتهم. وقيل: المراد بالصغار الأخذ باللحى والضرب في اللهازم، فيكلف الذمي أن يوفي الجزية بنفسه، ويطأطىء رأسه، ويصب ما معه في الكِفة، ويأخذ المستوفي بلحيته، ويضرب في لهزمته.
واختلف أصحابنا في أنه هل يجوز للمسلم بأن يوكَّل عن الذمي في إيفاء الجزية، فمنهم من لم يجوّز ذلك وسببه أن إجراء الصغار عليه في وقت تأدية الجزية من المقاصد، وكيف لا ونص الشافعي دالٌّ عليه، وهو قوله تعالى:{وَهُمْ صَاغِرُونَ} ولو جوزنا استنابة المسلم، فيكون المسلم في صورة المستخدَم، والكافر يتودَّع في رحله، وهذا نقيض ما أمر الله تعالى، ومن أجاز التوكُّل، نظر نظراً كلياً في استيفاء الحقوق وإيفائها، وينشأ من هذا التردّد الإحاطة بأن إجراء الصغار على الذمي حالة التأدية حتم أم لا؟ فإن منعنا توكل المسلم، فهو قضاء منا بإيجاب إقامةِ الصغار.
وذكر الأئمة تردّداً في أن المسلم لو ضمن الجزية، فهل يصح ذلك؟ فإن أوجبنا الصغار، لم يصح الضمان، وإن لم نوجبه، صححناه. والأوضح عندي تصحيح الضمان؛ فان ذلك لا يقطع إمكان توجيه الطلب على المضمون عنه، ونفي الضمان حتى لا يقال: إنه يُلزم الضامن شيئاً بعيدٌ.
ولو وكل ذمي ذمياً، فيتجه عندنا إجراء الخلاف؛ فإن كلَّ ملتزم بالذّمة معنيٌ بالصغار في نفسه.