للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولو وكل كافر مسلماً في عقد الجزية له، فهذا جائز؛ إذ ليس في نفس العقد صغار، وإنما الصغار في التأدية.

١١٤٤٤ - ثم مقصود الفصل: الكلامُ في أقل الجزية، وفي التزام الكافر مزيداً على الدينار، فأما الأول، فدينار في السنة، أو اثنا عشر درهماً مسكوكة من النقرة الخالصة. ويقابَل الدينار بعشرة في القواعد إلا في الجزية، فإنه باثني عشر درهماً، ورأيت في كلام الأصحاب ما يدلّ على أن الأصل في الجزية الدينار، ولا يقبل الدرهم إلا بالسعر والقيمة، كما أنا نجعل نصاب السرقة ربع دينار، ولا اعتبار بالدراهم، وهي بمثابة السلع تقوم بالذهب وهذا متجه، ولولا قضاء عمر في الترديد بين الدينار والاثني عشر درهماً، لما كان لاعتبار الدراهم وجه. والأخبار كلها مشتملة على ذكر الدنانير. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمعاذ: " خذ من كل حالم ديناراً أو عِدْله معافر " وهي ضرب من الثياب، " وضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم على أهل أيلةَ ثلثمائة دينار، وهم ثلثمائة نفر " (١).

فأقل الجزية دينار ويستوي الغني والمتوسط والفقير المعتملُ الكسوب، والأولى للإمام أن يماكس من يضرب الجزية عليه حتى يزيد على الدينار، ولكن هذا إنما ينفع إذا لم يكن باذل الجزية عالماً بأن أخذ الجزية واجبٌ إذا بذلوها، مع العلم بأن الدينار لو اقتصروا عليه، لزم قبوله، فإذا علم الكافر ذلك، فلا معنى للمماكسة معه؛ فإنه استماحةٌ، ولو بذل الكافر أكثر من دينار، والتزم في السنة دينارين فصاعداً، لزمه الوفاء بما التزمه، وهذا يشبهه الأئمة بشراء الرجل المطلَق (٢) المتاع بأكثر من ثمن المثل، وإذا جرى ذلك، لزم الثمن بكماله.

ثم قال الأئمة: من آثار المماكسة في الابتداء أن يلتزم الجزية إذا لم يكن عالماً بحكم الإسلام في أقل الجزية، وليس على الذي يعاقده أن يبين له ذلك، وإن جاء


(١) حديث ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم على أهل أيلة ثلثمائة دينار وكانوا ثلثمائة نفر، أخرجه الشافعي عن أبي الحويرث مرسلاً (ترتيب المسند: ٢/ ٤٢٧)، ومن طريقه البيهقي في الكبرى (٩/ ١٩٥).
(٢) المطلق: غير المحجور.