ب- والأمر الثاني أن تنظر في كتبه، وبخاصة (الرسالة) بخط الربيع، التي أخرجها العلامة الشيخ أحمد شاكر محافظاً على لغة الشافعي، منبهاً على أن ما يخالف معهودنا من النحو واللغة إنما هو صحيح فصيح، وإن جهله مَنْ جهله.
[ودَعْ عنك العبثَ الذي قام به محققو عصرنا الأشاوس بنص الرسالة، بدعوى تصويب الأخطاء اللغوية، حتى تجرّأ بعضهم على الشيخ شاكر، وسخر منه، لاستمساكه -فيما زعم- بالأخطاء التي في نسخة الربيع!!! أي والله!!! تصوَّر!!! سبحان الله!!! وهو وحده المستعان على كل بَلِيّة].
[اشتغال الشافعي بالفقه]
أتقن الشافعي اللغة، وشغل بها، وبروايتها، وبرواية الأدب والأشعار، ولكن قيض الله له من يَلْفته إلى ميدان آخر: إلى الفقه والحديث؛ فقد لقيه مسلم بن خالد الزنجي شيخ الحرم ومفتي مكة وهو خارج يطلب النحو، فدار بينهما حوار حكاه الشافعي بقوله:" قال لي: يا فتى من أين أنت؟ قلتُ: من أهل مكة. قال: وأين منزلك بها؟ قلتُ: بِشعب الخَيْف.
قال: من أي قبيلة أنت؟ قلت: من ولد عبد مناف. قال: بخٍ بخٍ؛ لقد شرفك الله في الدنيا والآخرة؛ ألا جعلت فهمك هذا في الفقه، فكان أحسن بك " وُيروى أن الذي وجهه إلى الفقه آخرُ غيرُ مسلم بن خالد، ولا مانع أن يكون هذا قد تكرر من أكثر من شخص.
كان الشافعي قد حفظ القرآن الكريم قبل أن يخرج إلى البادية، فيضيف إليه الإحاطة بلغة العرب وآدابها وأشعارها؛ فيصبح بهذا محيطاً بكتاب الله لفظاً ومعنىً، ولذا ما إن استجاب لتوجيه من وجهه، وجلس في حلقات الفقه والحديث حتى ظهرت مواهبه، فلم يمض كثير وقت حتى استحق الإمامة في الدين، فقد أجازه شيخ الحرم، مسلمُ بنُ خالد بالإفتاء، وكانت سنه نحو الخامسة عشرة!!!
ولا عجب في هذا، فالفتى قد عرف كتاب الله نصاً حينما حفظه عن ظهر قلب، وقد أحاط به استنباطاً حين حفظ اللغة، ووعى أشعارها وآدابها، وعرف تصرُّفَ العرب في لغتها، وهذه كانت أدوات الصحابة رضوان الله عليهم في فتاواهم، وقد رأينا الشافعي الإمام، وهو يُنظِّر لأصول الفقه، ويضع ضوابط الاجتهاد وشروطه يكتفي بهذا؛ فيقول: