للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[باب شهادة القاذف]

قال الشافعي رضي الله عنه: " أمر الله تعالى أن يُضرَب القاذف ثمانين جلدة ... إلى آخره " (١).

١٢٠٣٩ - القذف من موجبات الحدود، وكل ما يوجب الحدَّ كبيرةٌ، وكل كبيرة لا ترجع إلى العقد موجِبةٌ لرد الشهادة، فإذا قذف القاذف رُدت شهاتهُ قبل أن يُحَدَّ خلافاً لأبي حنيفة رضوان الله عليه. وإذا حُدّ، فشهاته مردودة، ولكنه إذا تاب -على ما سنصف توبته واستبراءَ حاله- قبلنا شهاته.

وقال أبو حنيفة (٢) رضي الله عنه: المحدود مردودُ الشهادة أبداً، والمسألة مشهورة معه.

ثم الكلام يتعلق وراء هذا بتوبة القاذف:

قال الشافعي: " توبة القاذف بإكذابه نفسَه "، وهذا اللفظ في ظاهره إشكال، وفي بيان المذهب تحصيل الغرض.

فالذي ذهب إليه جماهير الأصحاب أن القاذف لا يكلّف أن يُكْذِبَ نفسه، إذ ربما يكون صادقاً في نسبة المقذوف إلى الزنا، فلو كلفناه أن يُكْذِبَ نفسه، لكان ذلك تكليفاً منا إياه أن يَكذب، وهذا محال. فالوجه أن يقولَ: أسأتُ فيما قلتُ، وما كنتُ محقاً، وقد تُبت عن الرجوع إلى مثله أبداً، ولا يصرح بتكذيب نفسه إلا أن يعلم أنه كان كاذباً. وهذا يَبْعُد علمه.


(١) ر. المختصر: ٥/ ٢٤٨.
(٢) ر. مختصر الطحاوي: ٢٦٦، مختصر اختلاف العلماء: ٣/ ٣٢٨ مسألة رقم ٢٤٥٨، المبسوط: ١٦/ ١٢٥، رؤوس المسائل: ٥٣٦ مسألة ٣٩٤، طريقة الخلاف للأسمندي: ٣٧٤، ٣٧٥ مسألة ١٥٧، الغرة المنيفة: ص ١٩٣، إيثار الإنصاف: ص ٣٤٦.