عاد الشافعي إلى مكة بعد أن أرسى قواعد مذهبه في العراق، وترك وراءه كتبه وتلاميذه يحملون علمه، وينشرون مذهبه.
ويلوح لي أن عودته إلى مكة لم تكن للإقامة والاستقرار، فقد كان وراءه عملٌ في بغداد لم ينضج بعد، وفيما أقدر أن عودته إلى مكة كانت للبّر بآله وقومه وعشيرته ولشهود الموسم.
ولذا نراه يشد الرحال عائداً إلى بغداد في سنه ٩٨ هـ ولكنه لم يتلبّث بها إلا قليلاً حتى غادرها إلى مصر.
فما الذي أزعجه عن بغداد فلم يُلق عصا الترحال بها؟
لم تذكر روايات المترجمين للشافعي سبباً مقنعاً لذلك، وأقرب تعليل ما قاله شيخنا الشيخ محمد أبو زهرة، من أنه حين عاد إلى بغداد وجد وجهها قد تغير، فقد انتهى عهد الأمين بن هارون الرشيد، وبدأ عهد المأمون، ورأى الشافعي غلبة العنصر الفارسي على الدولة؛ فقد كان الفرس جيشَ المأمون الذي حارب به أخاه الأمين، وقضى عليه.
أدرك الشافعي ذلك، ورأى المأمون يقرب المعتزلة -وإن لم يكن قد ظهر خطر ذلك بعد- فلم ينشرح صدره للإقامة ببغداد.
[الشافعي في مصر]
تغير وجه بغداد؛ فلم تطب الإقامة بها، فلماذا اختار مصر؟ ولماذا لم يرجع إلى مكة؟
نذكّر بما هيأته الأقدار للشافعي، فقد ذكر ياقوت في معجم الأدباء أن الشافعي لقي ببغداد الوالي العباسي على مصر، فدعاه إلى مصر، وطلب أن يصحبه إليها، وقبل دعوته واختار الذهاب إلى مصر.