للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[إمام الحرمين واللغة]

وإذا تركنا الفصاحة والبلاغة، وتحدثنا عن إحاطة الإمام باللغة وتصرفه فيها متناً وقواعد، لوجدنا معجم الإمام في (نهاية المطلب) يحوي مفرداتٍ، ومشتقاتٍ، وصيغاً غيرَ معهودةٍ لنا الآن، ولكنها صحيحة فصيحة، غير حُوشيةٍ ولا جافية، ولكننا نحن الذين بعدت بيننا وبين لغتنا الشقة، باعد بيننا وبينها العجمة التي سادت لغتنا اليومية، وأسماءَ متاجرنا ومصانعنا، وأدواتِ معيشتنا، وأسماء ما نطعمه ونشربه، ونلبسه ونركبه، بعد أن (فَرْنجنا) تعليمنا ومناهجنا، ففعلنا بأنفسنا ما عجز الاستعمار أن يفعله بنا.

ولهذا الانقطاع عن تراثنا، وأصيل لغتنا، أصبح الاتصال بأئمتنا، والتلمذة لهم، وقراءة كتبهم، أصبح ذلك أمراً عسيراً، وصار بعض (الدكاترة) يعزو ما يعجز عن معرفة وجهه في كتب التراث إلى الخطأ، ويقوم بتغييره، فيقول في المقدمة: " إن من عمله في تحقيق الكتاب تصويب الأخطاء النحوية واللغوية، من غير حاجة إلى تنبيه " فيغير لغةَ صاحب الكتاب الذي بينه وبين المحقق مئات السنين، وُينطقه بلغة عصرنا، وهذا من أخطر الجنايات التي ارتكبت في حق تراث أمتنا، وعلم أئمتنا، ارتكبها كثير من محققي العصر والأوان، وهم يظنون أنهم يحسنون صنعاً.

وقد سنَّ لنا أئمة هذا الفن، فن التحقيق الذين يُهتدى بهم، سنّ لنا هؤلاء الأئمة المحافظةَ على لغة المؤلف صاحب الكتاب حتى فيما يختص بقراءته التي كان يقرأ القرآن عليها، فها هو العلامة الشيخ أحمد شاكر يضبط لفظ (القُرَان) بضم القاف وفتح الراء مخففة وتسهيل الهمزة، في كل موضع ورد فيه اللفظ في رسالة الشافعي، اتباعاً للإمام الشافعي -مؤلف الرسالة- في رأيه وقراءته، فقد ورد بسندٍ اعتمده الشيخ شاكر أن الشافعي كان إذا قرأ قوله تعالى {وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآَنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ حِجَابًا مَسْتُورًا} [الإسراء: ٤٥]، هَمَز (قَرأْتَ) ولم يهمز (القُران)، وهي قراءة عبد الله بن كثير عن مجاهد عن ابن عباس عن أُبي (١).


(١) ملخصاً من تعليق الشيخ شاكر على الرسالة: ١٤ حاشية رقم (٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>