للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد أشار العلامة الشيخ بكر أبو زيد إلى نحو هذا، حيث أخذ على الذين ينشرون تراث شيخ الإسلام ابن تيمية أن بعضهم غير الرسم في الآية الكريمة {وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ} [التكوير: ٢٤] فقد كانت في الأصول المخطوطة، وفي بعض الطبعات (بالظاء) (بظنين)، وهذا الرسم (بالظاء) هو الموافق للقراءة التي كانت سائدة في بلاد الشام، ومصر، واليمن في عصر ابن تيمية، ولذا قال الشيخ: " فينبغي عند تحقيق كتب شيخ الإسلام عدم التصرف في الرسم للآيات التي يستشهد بها، حتى تكون على وفق رسم المصاحف السائدة في عصرنا (١) ".

ونحن نقول مع الشيخ: إن هذا الأمر يعسر القيام به، لصعوبة الإحاطة بعلوم القراءات وعلم الرسم، رسم المصحف، بل والعلم بتاريخ انتشار القراءات وأماكن شيوعها، وتكليف المحقق معرفة بأيها كان يقرأ المؤلف.

وإذا عَسُر هذا بالنسبة للقرآن العظيم، فهو بالنسبة للحديث الشريف ميسور، فمعلوم أن الروايات تتعدد بالنسبة للحديث الواحد، وتختلف فيما بينها في بعض ألفاظها، كما في كتب اختلاف الموطآت وغيرها، ومعلوم أن عدداً من كتب الحديث المطبوعة الآن من رواية واحدة فحسب، كسنن أبي داود، فإن النسخة المطبوعة من رواية اللؤلؤي، مع أن هناك غيرها من الروايات كان معروفاً متداولاً قبلُ.

ومن هنا على المحقق ألا يعجل بتغيير ألفاظ الأحاديث التي في الكتاب الذي يحققه، لتوافق اللفظ الموجود في كتب الحديث التي بين يديه، فهو لا يدري أيَّ رواية وقعت للمؤلف، وغاية ما عليه أن ينبه في الحاشية على اختلاف اللفظ الذي يجده (٢).

وإذا كان هناك بالنسبة للقرآن والحديث، فهو بالنسبة للغة أيسر، وألزم، وأوجب، فعلى المحقق إذا وجد ما لا يتفق ومعلومه عن النحو واللغة ألا يسارع بالتخطئة، والتغيير، بل يجب أن يبحث في كتب النحو واللغة، وعليه أن يستعين بأهل الصناعة، حتى لا يخطِّىءَ الصواب، ويغيرَ لغة المؤلف، ويُنطقَه بما لم ينطق به.


(١) ر. المداخل إلى آثار شيخ الإسلام ابن تيمية، الشيخ بكر بن عبد أبو زيد: ٥٤. بتصرف.
(٢) السابق نفسه (بتصرف).

<<  <  ج: ص:  >  >>