إن كان باحثا يبغي الإحاطة بمذهب الشافعية، فها هو متن الكتاب بين يديه، ولن تفيده هذه النتف بهامش الكتاب شيئاًً.
وإن أراد بحثا مقارنا، فالمنهج يقتضيه أن يأخذ مسائل الأحناف -مثلا- من مصادرهم، ولن يغني عنه شيئاًً تلخيص المحقق لهذا المسائل في هوامش الكتاب، بل لا بدّ أن يأخذ هذه النصوص من مصادرها، وينظر فيها بنفسه.
ويكفي المحقق أن مهد له السبيل، حيث دلّه على المصادر بالجزء والصفحة، ولم يكن هذا عملا هينا، بل استغرق أوقاتا ثمينة، وجهداً جهيداً.
ثم إن هذه المسائل الخلافية بلغت -مع الأحناف وحدهم- أكثر من ثمانمائة مسألة، فلو عرض المحقق كل مسألة في نحو نصف في المتوسط، لتضخم الكتاب، وزادت مجلداته نحو مجلدين أو أكثر، وفي ذلك ما فيه من غير طائل.
[١٢ - فروق النسخ]
لقد بقَيت هذا الأمرَ إلى الآخر قصداً، مع أن مكانه في أوائل عمل المحقق -لأدل بذلك على مكانته، لا على مكانه، فهذا أهون أعمال المحقق، وأقلها شأنا. ولكنه يحتاج مع ذلك إلى تأكيد وتنبيه، فقد فشت فاشية بين محققي العصر، تُفرغ في هذا الموضوع جهدَها، وتشغل به هامش الكتاب، بصورة قد تصل إلى نصف الصفحات أحياناً. وهذا عمل غير مقبول، ولا سائغ. وقد نبه إلى هذا شيوخ الفن ورواده، لكن لا أحد يسمع، لقد قال عن هذا العمل شيخنا أبو فهر:" إنه فِعْل أغتام الأعاجم " ذلك أن المستشرق لجهله باللغة لا يعرف ما هو الفرق بين الخلل الناشىء عن جهل الناسخ أو تصحيفه، أو رجع البصر، أو سقطٍ أو نحوه، فتجد المستشرق يثبت كل ذلك. وهذا لا معنى له.
وإن جاز في الرسائل الصغيرة، وفي المسائل المعقدة، والقضايا المشكلة، التي يخشى أن يكون لتغير الحرف أو اللفظ أثر في المعنى، فلا يجوز ذلك في النصوص التي تبلغ مجلداً أو عدة مجلدات، ولذلك التزمت منهج هؤلاء الأئمة من شيوخ الفن وأساتذته، فلم أثبت من فروق النسخ إلا ما فيه، أو يحتمل أن يكون فيه أثر في المعنى، مع زيادة حرصٍ في ذلك، بمعنى أنك قد تجد بعضاً مما لا فائدة في إثباته.