للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[تحرير المذهب]

وبيان ذلك أن تحرير المذهب الشافعي انتهى إلى الإمامين: الرافعي، أبو القاسم عبد الكريم بن محمد بن الفضل، القزويني المتوفى ٦٢٤ هـ، والإمام النووي، محيي الدين، أبو زكريا، يحيى بن شرف المتوفى سنة ٦٧٦ هـ فإليهما يرجع الفضل في تحرير المذهب وتنقيحه، وهما العمدة في معرفة ما هو من المذهب، وتمييزه مما ليس منه، فهما شيخا المذهب في لسان من بعدهما من طبقات المذهب، فحيث قيل: (الشيخان) فهما الرافعي والنووي، وإليهما ينتهي الاجتهاد؛ فالراجح ما رجحاه، والمَفْتِيُّ به ما اعتمداه؛ ولم يخرُج مَنْ بعدهما على قولهما، حتى شاع بين المتأخرين قول ابن حجر الهيتمي:

" ... ومن جوّز اعتماد المفتي ما يراه في كتابٍ فيه تفصيل لا بدّ منه -ودل عليه كلام النووي في المجموع (١) وغيره- وهو أن الكتب المتقدمة على الشيخين لا يعتمد شيء منها إلا بعد مزيد الفحص والتحرّي، حتى يغلب على الظن أنه المذهب، ولا يغتر بتتابع كتب متعددة على حكم واحد؛ فإن هذه الكثرة قد تنتهي إلى واحد: ألا ترى أن أصحاب القفال أو الشيخ أبي حامد مع كثرتهم لا يفرّعون ويؤصلون إلا على طريقته غالباً، وإن خالفت سائر الأصحاب، فتعين سبرُ كتبهم.

هذا كله في حكمٍ لم يتعرض له الشيخان أو أحدهما -وإلا فالذي أطبق عليه محققو المتأخرين- ولم تزل مشايخنا يوصون به، وينقلونه عن مشايخهم، وهم عمن قبلهم، وهكذا -أن المعتمد ما اتفق عليه الشيخان الرافعي والنووي، فإن اختلفا، فالنووي، فإن وجد للرافعي ترجيح دونه فالرافعي-" ا. هـ بنصه (٢).

وهذا كلام واضح مُبينٌ دالٌّ على أن تحرير المذهب، وتمييز ما هو منه عما سواه انتهى إلى الإمامين الرافعي والنووي.


(١) ر. المجموع للنووي: ١/ ٤، ونصُّ كلام النووي الذىِ يشير إليه ابن حجر هو: " واعلم أن كتب المذهب فيها اختلافٌ شديد بين الأصحاب بحيث لا يحصل للمطالع وثوق بكون ما قاله مصنفٌ منهم هو المذهب حتى يطالع معظمَ كتب المذهب المشهورة ".
(٢) ر. تحفة المحتاج بهامش حواشي الشرواني وابن قاسم: ١/ ٣٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>