٥ - كذلك على المحقق ألا يعتمد على مألوفه من قواعد اللغة: نحوها وصرفها، فيسارع بتغيير ما يراه مخالفاً لما علِمه أو تعلّمه، بل عليه أن يتأنى، ويتوقف ويراجع كتب اللغة، فإن لم يجد عندها الجواب، فعليه أن يسأل علماء اللغة وأساطينها. وفي كل الحالات إذا لم يجد وجهاً لما في المخطوط، وانتهى الأمر بعد المراجعة والمباحثة إلى تغييره، فيجب أن يثبت ذلك في الهامش بوضوح، ذاكراً المراجع والمحاولات التي قام بها. فقد يصل باحث آخر فيما بعد إلى وجه من الصواب لهذا الذي غيره.
وأمثلة ذلك كثيرة منها:
قال صاحب المخطوط: وهو يتحدث عن فرائض الوضوء: " أما الفرائض، فست " فجاء المحقق، فغيرها إلى " فستة " وعلق في الهامش قائلاً " لا يصلح ست من حيث اللغة ". نظر في ذلك إلى أن المعدود مذكر (فرض)، ولذا يجب تأنيث العدد معه. وهذه قاعدة مشهورة. ولكنه لو توقف قليلاً وراجع كتب اللغة القريبة، لوجد أن المعدود إذا تقدم، تجوز الموافقة في التذكير والتأنيث، وعليه فإن المخطوط كان صحيحاً. والذي خطَّأ الصواب هو المحقق.
مثال ثان: وهو مما عانيته في (نهاية المطلب) قال إمام الحرمين: " أما من حكم بالانتقاض مطلقاً، لم يجعل للشرط موقعاً ".
فها أنت تراه أسقط الفاء في جواب " أما " وهنا توقفت، وتأنَّيتُ، وتلفت أبحث عن المراجع النحوية، فأسعفتني الذاكرة بما كنت قد قرأته قريباً عن الشيخ محمد بخيت بن حسن المطيعي، أحد شيوخ الأزهر وأعلامه ومفتي الديار المصرية في زمانه، وقد كان في مناظرة يتدفق بالدفاع عن رأيه، فقاطعه أحد شهود المناظرة من معارضي رأيه، قائلاً: أسقطت الفاء في جواب " أما " فأجابه الشيخ على البديهة.
" الاستغناء عن الفاء في جواب " أما " لغة الكوفيين، فافهم يا بصري ".
وهنا طبعاً عرفت صواب ما لم يكن مألوفاً لي صوابه، ووجدت هذه إحدى خصائص لغة إمام الحرمين، فقلما يأتي بالفاء في جواب " أما ".
ومثال ثالث: من (نهاية المطلب أيضاً): كثر في عبارة الإمام تكرار (بين) مع الاسم الظاهر، من مثل قوله:" والفرق بين البيع وبين الهبة " والمعروف المشهور أن