للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[باب الشك في الطلاق]

٩٢٠٣ - صدر الشافعي الباب بحديث لرسول الله صلى الله عليه وسلم وردَ في الشك في الحدث، وذلك أنه قال: "إن الشيطان ليأتي أحدَكم بين إليتيه في الصّلاة، فلا ينصرفنّ حتى يسمع صوتاً أو يشمّ ريحاً" (١) فأمر صلى الله عليه وسلم عليه بالبناء على اليقين وطرح الشك، فاتبع الشافعي هذا الحديث، واتخذه أسوته في الشكوك الطارئة على محالّ اليقين، وأراد أن يبني مسائل الشك في الطلاق على هذا الحديث، وإنما استدلّ بهذا الحديث في صدر باب الطلاق لسببٍ وهو أن مالكاً (٢) رضي الله عنهُ قال: "إن شك في عدد الطلاق أخذ بالأكثر"؛ بناء على أصل له، وهو أن الأصل المطرد إذا حدث فيه أصل آخر، فالتمسك عنده بالأصل الثاني، ولذلك يقول: لو شك في الحدث قبل الشروع في الصّلاة، لم يبن على يقين الطهارة، لأنه الآن متيقّن عدم انعقاد الصّلاة، فإذا عقدها، فهو على شك في الانعقاد، وإذا شك في الحدث بعد الشروع في الصّلاة، لم يخرج منها بما طرأ له من الشك؛ لأن الأصل انعقادُها. هذا أصله، فلم يُرد الشافعي أن يتمسك بمحلّ [مناقضة، وجعل] (٣) ما يسلمه معتبره؛ فإنه لا يستنبط المعنى إلا من محالّ الإجماع، ولم يثق بإجماع، فاتخذ الحديث مستنده في قاعدة طريان الشّك على الأصل، ثم بنى عليه الكلام واتسع في الكلام.

٩٢٠٤ - والمسلك الضابط في طريان الشكوك على الأصول لا يبين إلا بأن نذكر


(١) حديث: "إن الشيطان ليأتي أحدكم ... " إلخ. أصل هذا الحديث متفق عليه: البخاري، ح ١٣٧، ١٧٧، ٢٠٥٦، وعند مسلم، ح ٣٦١، ٣٦٢، وبهذا اللفظ ذكره البيهقي في الخلافيات عن الربيع عن الشافعي، والمزني في المختصر عن الشافعىِ، ورواه البزار بلفظ قريب (مختصر زوائد البزار، ح ١٧١، والبيهقي في السنن الكبرى بمعناه: ١/ ١٦١، وكذا الحاكم: ١/ ١٣٤ وانظر: تلخيص الحبحر: ١/ ٢٢٢ ح ١٧٠، ١٧١).
(٢) ر. الإشراف ٢/ ٧٥٣ مسألة ١٣٧٠، عيون المجالس: ٣/ ١٢٤٦ مسألة ٨٧١،
(٣) في الأصل: "مناقضته ويجعل" والمثبت من صفوة المذهب جزء (٥) ورقة: ٢٣ يمين.