للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عبارة الفقهاء ونبُدي ما فيها من الإشكال، ثم نأتي بالمعتبر الموثوق.

فعبارة الفقهاء: "إن اليقين لا يترك بالشك" وهذا مختلٌّ؛ فإن الشك إذا طرأ، فلا يقين. ثم إن حُمل هذا على ما مضى، وقيل: معنى قول الفقهاء إن اليقين السّابق لا يترك بالشك الطارىء، فليس هذا على هذا الإطلاق، ولكن القول في ذلك ينقسم، فإن طرأ الشك وأمكن الاجتهاد، تنوّع الكلام، فقد يتمهد مسلك الاجتهاد بالمتعلّقات الواضحة، كمسائلِ الاجتهاد في الطلاق التي اختلف العلماء فيها، وصار صائرون إلى أن الطلاق يقع، وذهب آخرون إلى أنه لا يقع، فالمتبع الاجتهاد، ولا حكم للنكاح السابق وما تقدم من استيقان انعقاده.

وإن جرى الاجتهاد وخفيت العلامة، فإن دعت الضرورة إليه، وجب التمسك به، وهذا كما إذا كان مع الرجل إناءان أحدهما طاهر والآخر نجس، فلا سبيل إلا ترك الماءين، أو الاجتهاد في الأخذ بأحدهما، ولا سبيل إلى الترك، فتعيّن الاجتهاد.

وإن كان مع الرّجل إناء واحد وفيه ماء، [فشك] (١) في طريان النجاسة عليه، وغلبت عنده علاماتها، فهل يأخذ بالاجتهاد، وعلاماتُ النجاسة خفية، وقد أدرك خفاءها من أحاط بأبواب النجاسات. وإذا رَقتِ (٢) العلامات إلى الظهور، وقدت في اليقين، فلا جرم اختلف القول في أنه هل يجب التمسك بالعلامات، أو يستصحب اليقين السابق، وهذا هو استصحاب الحال الذي يخوض فيه الأصوليون.

وإن انحسم الاجتهاد، وطرأ الشك، فعند ذلك يرى الشافعي أن يستمسك باليقين السابق، ولا يقيمَ للشك وزناً، وسببه من طريق المعنى أن الشّك يتعلق بمعتقدين متعارضين ليس أحدهما أولى من الثاني، ولا يخلو -في غالب الأمر- المرءُ عن الشك، سيّما إذا بُلي بأطراف الوسوسة، فرأى الشافعي التمسكَ باليقين المستصحب أولى، واعتضد فيما رآه بحديث المصطفى صلى الله عليه وسلم.

وهذا تأسيس الباب. ونحن نقول بعده:

٩٢٠٥ - مَنْ شك في الطلاق، فالأصل بقاء النكاح، وله الأخذ بحكم استصحابه،


(١) في الأصل: فشكه.
(٢) رقت العلامات إلى الظهور: أي سَمَتْ وارتفعت، من الفعل رقا يرقو رَقواً (المعجم).